[ ص: 355 ] فصل وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين - حدثتا بعد تفسير
الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ; فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين مثل تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ووكيع وعبد بن حميد وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم . ومثل تفسير الإمام
أحمد وإسحاق بن راهويه وبقي بن مخلد وأبي بكر بن المنذر وسفيان بن عيينة وسنيد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبي سعيد الأشج وأبي عبد الله بن ماجه .
Multitarajem.php?tid=13507,13508وابن مردويه - " إحداهما "
nindex.php?page=treesubj&link=29573قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها . و " الثانية "
nindex.php?page=treesubj&link=29573قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به .
ف " الأولون " راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان .
[ ص: 356 ] و " الآخرون " راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به ولسياق الكلام . ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق .
والأولون " صنفان " : تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول وقد يكون حقا فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول .
وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن فإنه وقع أيضا في تفسير الحديث فالذين أخطئوا في الدليل والمدلول - مثل طوائف من أهل البدع - اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم . تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن
[ ص: 357 ] مواضعه ومن هؤلاء فرق
الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم .
وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29575كالمعتزلة مثلا فإنهم من أعظم الناس كلاما وجدالا وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم ; مثل تفسير
عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ
إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي كان يناظر
الشافعي ومثل كتاب
أبي علي الجبائي والتفسير الكبير للقاضي
عبد الجبار بن أحمد الهمداني nindex.php?page=showalam&ids=14387ولعلي بن عيسى الرماني والكشاف
لأبي القاسم الزمخشري فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب
المعتزلة .
nindex.php?page=treesubj&link=29573_28834وأصول المعتزلة " خمسة " يسمونها هم : التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
و "
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29455_28834_28836_29445توحيدهم " هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات وغير ذلك قالوا : إن الله لا يرى وإن القرآن مخلوق وإنه ليس فوق العالم وإنه لا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا مشيئة ولا صفة من الصفات .
وأما " عدلهم " فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات ولا خلقها كلها ولا هو قادر عليها كلها ; بل عندهم أن أفعال العباد لم
[ ص: 358 ] يخلقها الله لا خيرها ولا شرها ولم يرد إلا ما أمر به شرعا وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئته وقد وافقهم على ذلك متأخرو
الشيعة كالمفيد وأبي جعفر الطوسي وأمثالهما
ولأبي جعفر هذا تفسير على هذه الطريقة ; لكن يضم إلى ذلك قول
الإمامية الاثني عشرية ; فإن
المعتزلة ليس فيهم من يقول بذلك ولا من ينكر خلافة
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .
nindex.php?page=treesubj&link=29573_28851_28834_28832_28835_28829ومن أصول المعتزلة مع الخوارج " إنفاذ الوعيد في الآخرة " وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة ولا يخرج منهم أحدا من النار . ولا ريب أنه قد رد عليهم طوائف من
المرجئة والكرامية والكلابية وأتباعهم ; فأحسنوا تارة وأساءوا أخرى حتى صاروا في طرفي نقيض كما قد بسط في غير هذا الموضع .
والمقصود أن مثل هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=29573اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه وليس لهم سلف من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن إما دليلا على قولهم أو جوابا على المعارض لهم .
ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحا ويدس البدع في
[ ص: 359 ] كلامه وأكثر الناس لا يعلمون كصاحب الكشاف ونحوه حتى إنه يروج على خلق كثير ممن لا يعتقد الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله . وقد رأيت من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يعلم أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك .
ثم إنه لسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت
الرافضة الإمامية ثم
الفلاسفة ثم
القرامطة وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك وتفاقم الأمر في
الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي العالم منها عجبه فتفسير
الرافضة كقولهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6328&ayano=111تبت يدا أبي لهب } هما
أبو بكر وعمر و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4162&ayano=39لئن أشركت ليحبطن عملك } أي بين
أبي بكر وعلي في الخلافة و {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } هي
عائشة و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1256&ayano=9فقاتلوا أئمة الكفر }
طلحة والزبير و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4975&ayano=25مرج البحرين }
علي nindex.php?page=showalam&ids=25وفاطمة و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4978&ayano=55اللؤلؤ والمرجان }
الحسن والحسين {
nindex.php?page=tafseer&surano=3753&ayano=36وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } في
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب و {
nindex.php?page=tafseer&surano=5751&ayano=78عم يتساءلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5752&ayano=78عن النبإ العظيم }
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب و {
nindex.php?page=tafseer&surano=729&ayano=5إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } هو
علي ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة وكذلك قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=166&ayano=2أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } نزلت في
علي لما أصيب
بحمزة .
[ ص: 360 ] ومما يقارب هذا من بعض الوجوه ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=313&ayano=3الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } أن الصابرين رسول الله والصادقين
أبو بكر والقانتين
عمر والمنفقين
عثمان والمستغفرين
علي وفي مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48محمد رسول الله والذين معه }
أبو بكر {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48أشداء على الكفار }
عمر {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48رحماء بينهم }
عثمان {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48تراهم ركعا سجدا }
علي .
وأعجب من ذلك قول بعضهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=95والتين }
أبو بكر {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=6والزيتون }
عمر {
nindex.php?page=tafseer&surano=6195&ayano=95وطور سينين }
عثمان {
nindex.php?page=tafseer&surano=6196&ayano=95وهذا البلد الأمين }
علي وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة
nindex.php?page=treesubj&link=29573تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال فإن هذه الألفاظ لا تدل على هؤلاء الأشخاص وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا } كل ذلك نعت للذين معه وهي التي يسميها النحاة خبرا بعد خبر . و " المقصود هنا " أنها كلها صفات لموصوف واحد وهم الذين معه ولا يجوز أن يكون كل منها مرادا به شخص واحد وتتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصرا في شخص واحد كقوله : إن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=729&ayano=5إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } أريد بها
علي وحده وقول بعضهم : أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4130&ayano=39والذي جاء بالصدق وصدق به } أريد بها
أبو بكر وحده وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5142&ayano=57لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } أريد بها
أبو بكر [ ص: 361 ] وحده ونحو ذلك .
و " تفسير
ابن عطية وأمثاله " أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير
الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل من " تفسير
محمد بن جرير الطبري " وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا ثم إنه يدع ما نقله
ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة من
أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به
المعتزلة أصولهم وإن كانوا أقرب إلى السنة من
المعتزلة ; لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29571الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين
للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا .
و " في الجملة " من عدل عن مذاهب
الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب
[ ص: 362 ] ونحن نعلم أن القرآن قرأه
الصحابة والتابعون وتابعوهم وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية . كما هو مبسوط في موضعه .
و " المقصود هنا " التنبيه على
nindex.php?page=treesubj&link=29572_29573مثار الاختلاف في التفسير وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به وتأولوه على غير تأويله فمن أصول العلم بذلك أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه وأنه الحق وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق .
وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره .
وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من
الصوفية والوعاظ والفقهاء وغيرهم
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29575يفسرون القرآن بمعان صحيحة ; لكن القرآن لا يدل عليها مثل كثير مما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن السلمي في حقائق
[ ص: 363 ] التفسير وإن كان فيما ذكروه ما هو معان باطلة فإن ذلك يدخل في القسم الأول وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعا حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدا .
[ ص: 355 ] فَصْلٌ وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ مُسْتَنَدَيْ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالنَّقْلِ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ - حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانِ ; فَإِنَّ التَّفَاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ صِرْفًا لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ مِثْلَ تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ بْنِ حميد وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ دحيم . وَمِثْلَ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ
أَحْمَد وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وبقي بْنِ مخلد وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَسُفْيَانَ بْنِ عيينة وَسَنِيدٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ماجه .
Multitarajem.php?tid=13507,13508وَابْنِ مردويه - " إحْدَاهُمَا "
nindex.php?page=treesubj&link=29573قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِيَ ثُمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا . و " الثَّانِيَةُ "
nindex.php?page=treesubj&link=29573قَوْمٌ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُرِيدَهُ بِكَلَامِهِ مَنْ كَانَ مِنْ النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبِ بِهِ .
ف " الْأَوَّلُونَ " رَاعَوْا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِنْ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ .
[ ص: 356 ] و " الْآخَرُونَ " رَاعَوْا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ وَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرَبِيُّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ وَلِسِيَاقِ الْكَلَامِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الآخرون وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الْأَوَّلِينَ إلَى الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَنَظَرُ الآخرين إلَى اللَّفْظِ أَسْبَقُ .
وَالْأَوَّلُونَ " صِنْفَانِ " : تَارَةً يَسْلُبُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَفِي كَلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ يَكُونُ مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إثْبَاتَهُ مِنْ الْمَعْنَى بَاطِلًا فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ وَقَدْ يَكُونُ حَقًّا فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ وَقَعَ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ فَاَلَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ - مِثْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ - اعْتَقَدُوا مَذْهَبًا يُخَالِفُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ كَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَعَمَدُوا إلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى آرَائِهِمْ . تَارَةً يَسْتَدِلُّونَ بِآيَاتِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا وَتَارَةً يَتَأَوَّلُونَ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ بِمَا يُحَرِّفُونَ بِهِ الْكَلِمَ عَنْ
[ ص: 357 ] مَوَاضِعِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ فِرَقُ
الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ والجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29575كَالْمُعْتَزِلَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَلَامًا وَجِدَالًا وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ ; مِثْلِ تَفْسِيرِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كيسان الْأَصَمِّ شَيْخِ
إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ الَّذِي كَانَ يُنَاظِرُ
الشَّافِعِيَّ وَمِثْلِ كِتَابِ
أَبِي عَلِيٍّ الجبائي وَالتَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَد الهمداني nindex.php?page=showalam&ids=14387وَلِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى الرُّمَّانِيِّ وَالْكَشَّافِ
لِأَبِي الْقَاسِمِ الزمخشري فَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ
الْمُعْتَزِلَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29573_28834وَأُصُولُ الْمُعْتَزِلَةِ " خَمْسَةٌ " يُسَمُّونَهَا هُمْ : التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ وَالْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَإِنْفَاذُ الْوَعِيدِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ .
و "
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29455_28834_28836_29445تَوْحِيدُهُمْ " هُوَ تَوْحِيدُ الجهمية الَّذِي مَضْمُونُهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى وَإِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ وَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا كَلَامٌ وَلَا مَشِيئَةٌ وَلَا صِفَةٌ مِنْ الصِّفَاتِ .
وَأَمَّا " عَدْلُهُمْ " فَمِنْ مَضْمُونِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ وَلَا خَلَقَهَا كُلَّهَا وَلَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا كُلِّهَا ; بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَمْ
[ ص: 358 ] يَخْلُقْهَا اللَّهُ لَا خَيْرَهَا وَلَا شَرَّهَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا مَا أَمَرَ بِهِ شَرْعًا وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُتَأَخِّرُو
الشِّيعَةِ كَالْمُفِيدِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطوسي وَأَمْثَالِهِمَا
وَلِأَبِي جَعْفَرٍ هَذَا تَفْسِيرٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ; لَكِنْ يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ
الْإِمَامِيَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ ; فَإِنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ وَلَا مَنْ يُنْكِرُ خِلَافَةَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ .
nindex.php?page=treesubj&link=29573_28851_28834_28832_28835_28829وَمِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ الْخَوَارِجِ " إنْفَاذُ الْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ " وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ شَفَاعَةً وَلَا يُخْرِجُ مِنْهُمْ أَحَدًا مِنْ النَّارِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ طَوَائِفُ مِنْ
الْمُرْجِئَةِ والكرامية والكلابية وَأَتْبَاعِهِمْ ; فَأَحْسَنُوا تَارَةً وَأَسَاءُوا أُخْرَى حَتَّى صَارُوا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=29573اعْتَقَدُوا رَأْيًا ثُمَّ حَمَلُوا أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي تَفْسِيرِهِمْ وَمَا مِنْ تَفْسِيرٍ مِنْ تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ إلَّا وَبُطْلَانُهُ يَظْهَرُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ : تَارَةً مِنْ الْعِلْمِ بِفَسَادِ قَوْلِهِمْ وَتَارَةً مِنْ الْعِلْمِ بِفَسَادِ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ إمَّا دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِمْ أَوْ جَوَابًا عَلَى الْمُعَارِضِ لَهُمْ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ فَصِيحًا وَيَدُسُّ الْبِدَعَ فِي
[ ص: 359 ] كَلَامِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ حَتَّى إنَّهُ يُرَوِّجُ عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ الْبَاطِلَ مِنْ تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ . وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ مَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ الَّتِي يَعْلَمُ أَوْ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا وَلَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ .
ثُمَّ إنَّهُ لِسَبَبِ تَطَرُّفِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ دَخَلَتْ
الرَّافِضَةُ الْإِمَامِيَّةُ ثُمَّ
الْفَلَاسِفَةُ ثُمَّ
الْقَرَامِطَةُ وَغَيْرُهُمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرِ فِي
الْفَلَاسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالرَّافِضَةِ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِأَنْوَاعِ لَا يَقْضِي الْعَالِمُ مِنْهَا عَجَبَهُ فَتَفْسِيرُ
الرَّافِضَةِ كَقَوْلِهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6328&ayano=111تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } هُمَا
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4162&ayano=39لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } أَيْ بَيْنَ
أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } هِيَ
عَائِشَةُ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1256&ayano=9فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ }
طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4975&ayano=25مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ }
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=25وَفَاطِمَةُ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=4978&ayano=55اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ }
الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3753&ayano=36وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ } فِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=5751&ayano=78عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5752&ayano=78عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ }
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ و {
nindex.php?page=tafseer&surano=729&ayano=5إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } هُوَ
عَلِيٌّ وَيَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ تَصَدُّقُهُ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=166&ayano=2أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } نَزَلَتْ فِي
عَلِيٍّ لَمَّا أُصِيبَ
بِحَمْزَةِ .
[ ص: 360 ] وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=313&ayano=3الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ } أَنَّ الصَّابِرِينَ رَسُولُ اللَّهِ وَالصَّادِقِينَ
أَبُو بَكْرٍ وَالْقَانِتِينَ
عُمَرُ وَالْمُنْفِقِينَ
عُثْمَانُ وَالْمُسْتَغْفِرِين
عَلِيٌّ وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ }
أَبُو بَكْرٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ }
عُمَرُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }
عُثْمَانُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }
عَلِيٌّ .
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=95وَالتِّينِ }
أَبُو بَكْرٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6194&ayano=6وَالزَّيْتُونَ }
عُمَرُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6195&ayano=95وَطُورِ سِينِينَ }
عُثْمَانُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6196&ayano=95وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ }
عَلِيٌّ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَارَةً
nindex.php?page=treesubj&link=29573تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4660&ayano=48وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } كُلُّ ذَلِكَ نَعْتٌ لِلَّذِينَ مَعَهُ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ . و " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّهَا كُلَّهَا صِفَاتٌ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ وَهُمْ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَتَتَضَمَّنُ تَارَةً جَعْلَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ مُنْحَصِرًا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ : إنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=729&ayano=5إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } أُرِيدَ بِهَا
عَلِيٌّ وَحْدَهُ وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4130&ayano=39وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } أُرِيدَ بِهَا
أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5142&ayano=57لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } أُرِيدَ بِهَا
أَبُو بَكْرٍ [ ص: 361 ] وَحْدَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
و " تَفْسِيرُ
ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ " أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ تَفْسِيرِ
الزمخشري وَلَوْ ذُكِرَ كَلَامُ السَّلَفِ الْمَوْجُودُ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ " تَفْسِيرِ
مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري " وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا ثُمَّ إنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ السَّلَفِ لَا يَحْكِيهِ بِحَالِ وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ طَائِفَةً مِنْ
أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقِ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ
الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ ; لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَيَعْرِفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29571الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إذَا كَانَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلٌ وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْلِ آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ صَارُوا مُشَارِكِينَ
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْلِ هَذَا .
و " فِي الْجُمْلَةِ " مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوَابِ
[ ص: 362 ] وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ قَرَأَهُ
الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ وَفَسَّرَ الْقُرْآنَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا إمَّا عَقْلِيَّةٌ وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ . كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ .
و " الْمَقْصُودُ هُنَا " التَّنْبِيهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29572_29573مَثَارِ الِاخْتِلَافِ فِي التَّفْسِيرِ وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ الْبِدَعَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إلَى أَنْ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَفَسَّرُوا كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ فَمِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الْإِنْسَانُ الْقَوْلَ الَّذِي خَالَفُوهُ وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسِيرَ السَّلَفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسِيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِنْ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ شَرْحِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ .
وَأَمَّا الَّذِينَ يُخْطِئُونَ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ
الصُّوفِيَّةِ وَالْوُعَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29573_29575يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ ; لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي فِي حَقَائِقِ
[ ص: 363 ] التَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَا هُوَ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدُوهُ فَاسِدًا .