وَامْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قطني قطني رُوَيْدًا قَدْ مَلَأَتْ بَطْنِي وَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ سَمْعًا وَطَاعَةً
تُخْبِرُنِي الْعَيْنَانِ مَا الْقَلْبُ كَاتِمٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْحَيَاءِ وَالنَّظَرِ الشَّزْرِ
سَأَلْت الدَّارَ تُخْبِرُنِي عَنْ الْأَحْبَابِ مَا فَعَلُوا
فَقَالَتْ لِي أَنَاخَ الْقَوْمُ أَيَّامًا وَقَدْ رَحَلُوا
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
[ ص: 408 ] مِنْ شِعْرِ لَبِيَدِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كَلَامُ لَبِيَدِ وَأَنَّ قَوْلَهُ :قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ
هُوَ مِنْ كَلَامِ امْرِئِ الْقَيْسِ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا سَمِعُوهَا مِنْ غَيْرِهِ بِصَوْتِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَجَاءَ الْمُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْحَقِّ دُونَ بَعْضٍ فَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا أَوْ لَا نَسْمَعُ إلَّا صَوْتَ الْعَبْدِ وَلَفْظَهُ ; ثُمَّ قَالَ " النفاة " : وَلَفْظُ الْعَبْدِ مُحْدَثٌ وَلَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ فَهَذَا الْمَسْمُوعُ مُحْدَثٌ وَلَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ . وَقَالَتْ " الْمُثْبِتَةُ " : بَلْ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ إلَّا لَفْظُهُ أَوْ صَوْتُهُ فَيَكُونُ لَفْظُهُ أَوْ [ صَوْتُهُ ] كَلَامَ اللَّهِ nindex.php?page=treesubj&link=29463وَكَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَوْ قَدِيمٌ فَيَكُونُ لَفْظُهُ أَوْ صَوْتُهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ أَوْ قَدِيمٌ .أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
هَذَا شِعْرُ لَبِيَدِ .أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
قِيلَ لَهُ هَذَا كَلَامُ لَبِيَدِ ; لَكِنَّ الثَّانِيَ قَدْ لَا يَقْصِدُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ابْتِدَاءً لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ مَعْنَاهُ .أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
أَوْ بِقَوْلِهِ :وَيَأْتِيك بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ
أَوْ بِمَثَلِ مِنْ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ كَقَوْلِهِ : " عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا " وَ " يَدَاك أَوْكَتَا وَفُوك نَفَخَ " وَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا " وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ ; لَا عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ عَنْ غَيْرِهِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَائِلِهِ الْأَوَّلِ فَهَكَذَا nindex.php?page=treesubj&link=29463_29462الْحُرُوفُ الْمَوْجُودَةُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَإِنْ أَدْخَلَهَا النَّاسُ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُمْ فَأَصْلُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ الْأَوَّلُونَ : هُنَا مَقَامَانِ .أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
} وَقَوْلُهُ : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597382إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا أَحَدٌ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحًا . فَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } " وَمَا فِي الْقُرْآنِ : مِثْلُ قَوْلِهِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَقَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ
فَجَمِيعُ الْأُمَمِ يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ إنَّ هَذَا شِعْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ وَكَلَامُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَسْمَاءُ الْمُفْرَدَةُ فِيهِ إنَّمَا تَعَلَّمَهَا مِنْ غَيْرِهِ ; فَإِنَّ الْعَرَبَ نَطَقَتْ قَبْلَهُ بِلَفْظِ " قِفَا " وَبِلَفْظِ " نَبْكِ " وَبِلَفْظِ " مِنْ ذِكْرَى " " حَبِيبٍ " " وَمَنْزِلٍ " وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ إذَا سَمِعُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { nindex.php?page=hadith&LINKID=96591إنَّمَا [ ص: 459 ] الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } " أَوْ " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597383ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ } " وَقَوْلُهُ : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=90831مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } " قَالُوا : هَذَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا حَدِيثُهُ وَهَذَا قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكَلَامِ قَدْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَهُ : مِثْلُ لَفْظِ " إنَّمَا " وَلَفْظِ " الْأَعْمَالُ " وَلَفْظِ " النِّيَّةِ " وَ " النِّيَّاتِ " وَلَفْظِ " كُلُّ امْرِئِ " وَلَفْظِ " مَا نَوَى " وَغَيْرِ ذَلِكَ .نُبِّئْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفُوُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولٌ
قَالُوا : فَهَذَا وَعِيدٌ خَاصٌّ وَقَدْ رَجَا فِيهِ الْعَفْوَ مُخَاطِبًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْمُتَوَعَّدِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ .وامتلأ الحوض وقال قطني قطني رويدا قد ملأت بطني وقالت له العينان سمعا وطاعة
تخبرني العينان ما القلب كاتم ولا خير في الحياء والنظر الشزر
سألت الدار تخبرني عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي أناخ القوم أياما وقد رحلوا
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
[ ص: 408 ] من شعر لبيد يعلمون أن هذا كلام لبيد وأن قوله :قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
هو من كلام امرئ القيس مع علمهم أنهم إنما سمعوها من غيره بصوت ذلك الغير فجاء المؤمنون ببعض الحق دون بعض فقالوا : ليس هذا أو لا نسمع إلا صوت العبد ولفظه ; ثم قال " النفاة " : ولفظ العبد محدث وليس هو كلام الله فهذا المسموع محدث وليس هو كلام الله . وقالت " المثبتة " : بل هذا كلام الله وليس إلا لفظه أو صوته فيكون لفظه أو [ صوته ] كلام الله nindex.php?page=treesubj&link=29463وكلام الله غير مخلوق أو قديم فيكون لفظه أو صوته غير مخلوق أو قديم .ألا كل شيء ما خلا الله باطل
هذا شعر لبيد .ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قيل له هذا كلام لبيد ; لكن الثاني قد لا يقصد إلا أن يتكلم به ابتداء لاعتقاده صحة معناه .ألا كل شيء ما خلا الله باطل
أو بقوله :ويأتيك بالأخبار من لم تزود
أو بمثل من الأمثال السائرة كقوله : " عسى الغوير أبؤسا " و " يداك أوكتا وفوك نفخ " وكل الصيد في جوف الفرا " ونحو ذلك . فهذا الكلام هو تكلم به في المعنى الذي أراده ; لا على سبيل التبليغ عن غيره ومع هذا فهو منسوب إلى قائله الأول فهكذا nindex.php?page=treesubj&link=29463_29462الحروف الموجودة في كلام الله وإن أدخلها الناس في كلامهم الذي هو كلامهم فأصلها مأخوذ من كلام الله تعالى . قال الأولون : هنا مقامان .ألا كل شيء ما خلا الله باطل
} وقوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597382إني لأعلم كلمة لا يقولها أحد عند الموت إلا وجد روحه لها روحا . فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة } " وما في القرآن : مثل قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } ونحو ذلك من أسماء القول والكلام جميعا ونحوهما فإنه يدخل فيه اللفظ والمعنى جميعا عند الإطلاق .قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
فجميع الأمم يعلمون ويقولون إن هذا شعر امرئ القيس وكلامه وإن كانت الأسماء المفردة فيه إنما تعلمها من غيره ; فإن العرب نطقت قبله بلفظ " قفا " وبلفظ " نبك " وبلفظ " من ذكرى " " حبيب " " ومنزل " وجميع المسلمين إذا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=96591إنما [ ص: 459 ] الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } " أو " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597383ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار } " وقوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=90831من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } " قالوا : هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حديثه وهذا قوله مع علمهم أن جميع مفردات هذا الكلام قد كانت موجودة في كلام العرب قبله : مثل لفظ " إنما " ولفظ " الأعمال " ولفظ " النية " و " النيات " ولفظ " كل امرئ " ولفظ " ما نوى " وغير ذلك .نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
قالوا : فهذا وعيد خاص وقد رجا فيه العفو مخاطبا للنبي صلى الله عليه وسلم فعلم أن العفو عن المتوعد جائز وإن لم يكن من باب تخصيص العام .