القول في تأويل قوله تعالى:
[16] ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نـزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون
ألم يأن أي: لم يحن، من: أنى الأمر يأنى، إذا جاء إناه، أي: وقته للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله أي: أن تلين وترق وتخلص قلوبهم لذكر اسمه الكريم وما يوجبه من الوجل منه والخشية، أو لذكر وعده ووعيده وما نـزل من الحق يعني القرآن الذي لو أنزل على جبل لتصدع. قال أبو السعود: ومعنى الخشوع له، الانقياد التام لأوامره ونواهيه، والعكوف على العمل بما فيه من الأحكام التي من جملتها ما سبق وما لحق من الإنفاق في سبيل الله تعالى. وقد قيل: إن عطفه على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر، وأن ذكر الله ككلام الله، بمعنى القرآن، وكذا ما نزل من الحق، فالعطف لتغاير العنوانين، فإنه ذكر وموعظة، كما أنه حق نازل ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد أي: الأجل والإمهال والاستدراج فقست قلوبهم أي: لزوال الخشية والروعة التي كانت تأتيهم من الكتابين وكثير منهم فاسقون أي: خارجون عن دينهم، نابذون لما في كتابهم.
تنبيه:
قال : في الآية ابن كثير فإنهم لما تطاول عليهم الأمد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فقست قلوبهم، وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه; ولهذا نهى المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من [ ص: 5686 ] الأمور الأصلية والفرعية، ونظير الآية قوله تعالى: نهي للمؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، فبما نقضهم ميثاقهم و ، إلى آخرها.