ثم بين تعالى أنهم لا يتركون الاستهزاء بالرسل وإن أتتهم الآيات التي تشبه الملجئة لقوة عنادهم وبغيهم ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
[14-15] ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون .
ولو فتحنا عليهم أي : على هؤلاء المستهزئين : بابا من السماء فظلوا أي : فصاروا طول نهارهم : فيه يعرجون أي : يصعدون مستوضحين لما يرونه فيها من العجائب .
لقالوا إنما سكرت أبصارنا أي : حيرت أو حبست من الإبصار ، وما نراه شيء نتخايله لا حقيقة له : بل نحن قوم مسحورون
قال الناصر في (" الانتصاف ") : المراد ، والله أعلم ، يعني من الآيتين : إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها ، كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين . فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء ، كل على علم وفهم : ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولئلا يكون للكفار على الله حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن . فأعلمهم الله تعالى من الآن ، وهم في مهلة وإمكان ; أنهم ما كفروا إلا على علم ، معاندين باغين غير معذورين ، والله أعلم . ولذلك عقبه تعالى بقوله : ولو فتحنا عليهم الآية ، أي : هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه ، وولج ذلك في قلوبهم ووقر ، ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسيمتهم اللدد ، حتى لو سلك بهم [ ص: 3751 ] أوضح السبيل وأدعاها إلى الإيمان بضرورة المشاهدة ، وذلك بأن يفتح لهم باب في السماء ، ويعرج بهم إليه حتى يدخلوا منها نهارا .
وإلى ذلك الإشارة بقوله : فظلوا لأن الظلول إنما يكون نهارا ; لقالوا بعد هذا الإيضاح العظيم المكشوف : إنما سكرت أبصارنا وسحرنا محمد. وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها . فأسجل عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم في التكذيب ، من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم ، كما فهم غيرهم من المصدقين ; لأن ذلك كله حاصل لهم . وإنما بهم العناد واللدد والإصرار لا غيره . والله أعلم .