[ ص: 3544 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[ 142 ] وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين
وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي: قال يوسف للذي علم نجاته من الفتيين، أي خلوصه من السجن والقتل، وهو الساقي: اذكرني عند ربك أي اذكر حالي وصفتي، وعلمي بالرؤيا، وما جرى علي، عند الملك سيدك، عسى يخلصني مما ظلمت به.
و (الظن) بمعنى العلم واليقين، ورد كثيرا، والتعبير به إرخاء للعنان، وتأدب مع الله تعالى. وقيل: الظن بمعناه المعروف، بناء على أن تأويل يوسف بطريق الاجتهاد، والحكم بقضاء الأمر اجتهادي أيضا، والأول أنسب بالسياق.
تنبيه:
دلت الآية على وقد جاء ذلك في قوله تعالى: جواز الاستعانة بمن هو مظنة كشف الغمة، ولو مشركا. وتعاونوا على البر والتقوى وقوله حكاية عن عيسى: من أنصاري إلى الله وفي الحديث: . وجلي أن ذلك من نظام الكون، والعمران البشري، ولذلك ميز الإنسان بالنطق. « والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه »
وأما ما رواه عن ابن جرير مرفوعا: ابن عباس لو لم يقل - يعني يوسف- الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى- فقال الحافظ ابن كثير: حديث ضعيف جدا، وذكر من رجاله الضعفاء راويين سماهما. ثم قال: [ ص: 3545 ] وروي أيضا مرسلا عن الحسن قال: وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل، لو قبل المرسل من حيث هو، في غير هذا الموطن -والله أعلم- انتهى. ولقد أجاد وأفاد عليه الرحمة. وقتادة.
وقوله تعالى: فأنساه الشيطان ذكر ربه يعني: فشغله الشيطان حتى نسي ذكر يوسف عند الملك. فلبث أي مكث يوسف في السجن بضع سنين أي طائفة منها.
ولأهل اللغة أقوال في (البضع): ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما لم يبلغ العقد ولا نصفه، يعني ما بين الواحد إلى الأربعة. وقيل غير ذلك.
ولما دنا الفرج من يوسف عليه السلام، برحمته تعالى، ما هيأه من الأسباب; رأى فرعون مصر هذه الرؤيا التي أشار إليها تعالى بقوله: