القول في تأويل قوله تعالى :
[106 ] ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
"ما ننسخ من آية" أي : ما نبدل من آية بغيرها -كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن- "أو ننسها" أي : نذهبها من القلوب- كما أخبر بقوله : ونسوا حظا مما ذكروا به - وقرئ "أو ننسأها" أي نؤخرها ونتركها بلا نسخ ، كما أبقى كثيرا [ ص: 218 ] من أحكام التوراة في القرآن . وعلى هذه القراءة ، فقد نشر على ترتيب هذا اللف قوله "نأت بخير منها" أي : من المنسوخة المبدلة- كما فعل في الآيات التي شرعت في الملة الحنيفية ما فيه اليسر ، ورفع الحرج والعنت - فكانت خيرا من تلك الآصار والأغلال . وقوله "أو مثلها" أي : مثل تلك الآيات الموحاة قبل ، كما يرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه واستمراره .
قال : فإن قيل : إن الذي ترك ولم ينسخ ليس هو مثله بل هو هو ، فكيف قال "بمثلها" قيل : الحكم الذي أنزل في القرآن -وكان ثابتا في الشرع الذي قبلنا- يصح أن يقال هو هو ، إذا اعتبر بنفسه ولم يعتبر بكسوته- التي هي اللفظ . ويصح أن يقال هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه فقط بل اعتبر باللفظ . ونحو ذلك أن يقال : ماء البئر هو ماء النهر- إذا اعتبر جنس الماء ، وتارة يقال : مثل ماء النهر- إذا اعتبر قرار الماء . اهـ. على أن إرادة العين بالمثل شائعة ; كما في قولهم : مثلك لا يبخل- . الراغب
ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير فهو يقدر على الخير ، وما هو خير منه ، وعلى مثله في الخير . قال : أي لا تحسبن أن تغييري لحكم حالا فحالا ، وأني لم آت بالثاني في الابتداء- هو العجز ؛ فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك . وإنما تغير ذلك يرجع إلى مصلحة العباد ، وأن الأليق بهم ، في الوقت المتقدم ، الحكم المتقدم . وفي الوقت المتأخر ، الحكم المتأخر. الراغب