قوله تعالى: من أجل ذلك قال من أجل ابن الضحاك: آدم الذي قتل أخاه ظلما . وقال من جناية ذلك ، ومن جري ذلك . قال الشاعر: أبو عبيدة:
[ ص: 340 ]
وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله
أي: جانيه وجار ذلك عليهم . وقال قوم: الكلام متعلق بما قبله ، والمعنى: فأصبح من النادمين من أجل ذلك . فعلى هذا يحسن الوقف هاهنا ، وعلى الأول لا يحسن الوقف . والأول أصح . و "كتبنا" بمعنى: فرضنا . ومعنى (قتل نفسا بغير نفس) أي: قتلها ظلما ولم تقتل نفسا . (أو فساد في الأرض) "فساد" منسوق على "نفس" ، المعنى: أو بغير فساد تستحق به القتل . وقيل: أراد: بالفساد هاهنا: الشرك . وفي معنى قوله: (فكأنما قتل الناس جميعا) خمسة أقوال .
أحدها: أن عليه إثم من قتل الناس جميعا ، قاله الحسن ، والزجاج .
والثاني: أنه يصلى النار بقتل المسلم ، كما لو قتل الناس جميعا ، قاله مجاهد ، وقال وعطاء . يعذب كما يعذب قاتل الناس جميعا . ابن قتيبة:
والثالث: أنه يجب عليه من القصاص مثل ما لو قتل الناس جميعا ، قاله ابن زيد .
والرابع: أن معنى الكلام: ينبغي لجميع الناس أن يعينوا ولي المقتول حتى يقيدوه منه ، كما لو قتل أولياءهم جميعا ، ذكره [ ص: 341 ] والخامس: أن المعنى: من قتل نبيا أو إماما عادلا ، فكأنما قتل الناس جميعا ، رواه القاضي أبو يعلى . عن عكرمة والقول بالعموم أصح . فإن قيل: إذا كان إثم قاتل الواحد كإثم من قتل الناس جميعا ، دل هذا على أنه لا إثم عليه في قتل من يقتله بعد قتل الواحد إلى أن يفنى الناس؟ فالجواب: أن المقدار الذي يستحقه قاتل الناس جميعا ، معلوم عند الله محدود ، فالذي يقتل الواحد يلزمه ذلك الإثم المعلوم ، والذي يقتل الاثنين يلزمه مثلاه ، وكلما زاد قتلا زاده الله إثما ، ومثل هذا قوله: ابن عباس . من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] فالحسنة معلوم عند الله مقدار ثوابها ، فعاملها يعطى بمثل ذلك عشر مرات . وهذا الجواب عن سؤال سائل إن قال: إذا كان من أحيا نفسا فله ثواب من أحيا الناس ، فما ثواب من أحيا الناس كلهم؟ هذا كله منقول عن المفسرين . والذي أراه أن التشبيه بالشيء تقريب منه ، لأنه لا يجوز أن يكون إثم قاتل شخصين كإثم قاتل شخص ، وإنما وقع التشبيه بـ"كأنما" ، لأن جميع الخلائق من شخص واحد ، فالمقتول يتصور منه نشر عدد الخلق كلهم .
[ ص: 342 ] وفي قوله: (ومن أحياها) خمسة أقوال .
أحدها: استنقذها من هلكة ، روي عن ابن مسعود ، ومجاهد . قال الحسن: من أحياها من غرق أو حرق أو هلاك . وفي رواية عن عكرمة من شد عضد نبي أو إمام عادل ، فكأنما أحيا الناس جميعا . ابن عباس:
والثاني: ترك قتل النفس المحرمة ، رواه ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس ، في رواية . مجاهد
والثالث: أن يعفو أولياء المقتول عن القصاص ، قاله الحسن ، وابن زيد ، وابن قتيبة .
والرابع: أن يزجر عن قتلها وينهى .
والخامس: أن يعين الولي على استيفاء القصاص ، لأن في القصاص حياة ، ذكرهما وفي قوله القاضي أبو يعلى . (فكأنما أحيا الناس) جميعا قولان .
أحدهما: فله أجر من أحيا الناس جميعا ، قاله الحسن ، وابن قتيبة .
والثاني: فعلى جميع الناس شكره ، كما لو أحياهم ، ذكره . الماوردي
قوله تعالى: ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات يعني: بني إسرائيل الذين جرى ذكرهم .