ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .
قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) قرأ "قتلوا" بالتشديد . واختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . ابن عامر:
أحدها: أنها نزلت في شهداء أحد ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن عباس "لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ، وحسن مقيلهم ، قالوا: ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا ، لئلا يزهدوا في الجهاد [ولا ينكلوا عن الحرب ] قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية" وهذا قول سعيد بن جبير ، وأبي الضحى .
والثاني: أنها نزلت في شهداء بدر لما أفضوا إلى كرامة الله تعالى وقالوا: ربنا أعلم [ ص: 500 ] إخواننا ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، رواه عن سعيد بن جبير وهو قول ابن عباس ، مقاتل .
والثالث: أنها نزلت في شهداء بئر معونة . روى عن أشياخ له ، محمد بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين إلى أهل نجد ، فلما نزلوا بئر معونة ، خرج حرام بن ملحان إلى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينظر فيه عامر بن الطفيل عامر ، وخرج رجل من كسر البيت برمح ، فضرب به في جنب حرام حتى خرج من الشق الآخر ، فقال: الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ، وقتل سائر أصحابه غير واحد منهم ، قال فأنزل الله تعالى فيهم: "بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ورضينا عنه" ثم رفعت ، فنزلت هذه الآية: أنس بن مالك: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) .
[ ص: 501 ] فهذا اختلاف الناس فيمن نزلت ، واختلفوا في سبب نزولها على ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الشهداء بعد استشهادهم سألوا الله أن يخبر إخوانهم بمصيرهم ، وقد ذكرناه عن ابن عباس .
والثاني: أن رجلا قال: يا ليتنا نعلم ما لقي إخواننا الذين استشهدوا ، فنزلت ، قاله مقاتل .
والثالث: أن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور ، تحسروا ، وقالوا: نحن في النعمة والسرور ، وآباؤنا ، وأبناؤنا ، وإخواننا ، في القبور ، فنزلت هذه الآية ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .
فأما التفسير ، فمعنى الآية: لا تحسبنهم أمواتا كالأموات الذين لم يقتلوا في سبيل الله ، وقد بينا هذا المعنى في (البقرة) وذكرنا أن معنى حياتهم: أن أرواحهم في حواصل طير تأكل من ثمار الجنة ، وتشرب من أنهارها . قال يرزقون من ثمر الجنة . مجاهد: