بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين .
قوله تعالى: (ويأتوكم من فورهم) هذا فيه قولان .
أحدهما: أن معناه: من وجههم وسفرهم هذا ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومقاتل ، والزجاج .
والثاني: من غضبهم هذا ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، في آخرين . قال والضحاك من قال: من وجههم ، أراد ابتداء مخرجهم يوم ابن جرير: بدر ، ومن قال: من غضبهم ، أراد ابتداء غضبهم لقتلاهم يوم بدر . وأصل الفور: ابتداء الأمر يؤخذ فيه ، يقال: فارت القدر: إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ، ثم اتصل . وقال الفور: الغليان ، يقال: فارت القدر تفور ، وفار غضبه: إذا جاش ، ويقولون: فعله من فوره ، أي: قبل أن يسكن . ابن فارس:
[ ص: 452 ] وفي يوم فورهم قولان .
أحدهما: أنه يوم بدر ، قاله قتادة .
والثاني: يوم أحد ، قال مجاهد ، كانوا غضبوا يوم والضحاك ، أحد ليوم بدر مما لقوا .
قوله تعالى: (مسومين) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، بكسر الواو ، والباقون بفتحها ، فمن فتح الواو ، أراد أن الله سومها ، ومن كسرها ، أراد أن الملائكة سومت أنفسها . وقال وعاصم سومت خيلها ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الأخفش: أنه قال يوم بدر: "سوموا فإن الملائكة قد سومت" ونسب الفعل إليها ، فهذا دليل الكسر . قال ومعنى مسومين: معلمين بعلامة الحرب ، وهو من السيماء [مأخوذ ] ، والسومة: العلامة التي يعلم بها الفارس نفسه . قال ابن قتيبة: علي رضي الله عنه: وكان سيماء خيل الملائكة يوم بدر ، الصوف الأبيض في أذنابها ونواصيها . وقال العهن الأحمر . وقال أبو هريرة: كانت أذناب خيولهم مجزوزة ، وفيها العهن . وقال مجاهد: كانت الملائكة على خيل بلق ، وعليهم عمائم صفر . وروى هشام بن عروة: عن رجل من ابن عباس بني غفار قال: حضرت أنا وابن عم لي بدرا ، ونحن على شركنا ، فأقبلت سحابة ، فلما دنت من الخيل سمعنا فيها حمحمة الخيل ، وسمعنا فارسا يقول: اقدم حيزوم ، فأما صاحبي فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم انتعشت . وقال أبو داود المازني: إني لأتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه ، [ ص: 453 ] فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أن غيري قد قتله .
وفي بدر خمسة أقوال . عدد الملائكة يوم
أحدها: خمسة آلاف ، قاله وروى الحسن . جبير بن مطعم عن علي رضي الله عنه ، قال: بينا أنا أمتح من قليب بدر ، جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها ، ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها إلا التي كانت قبلها ، ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها ، فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألفين من الملائكة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألفين من الملائكة عن يمين رسول الله ، وكانت الريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن يسار رسول الله ، وكنت عن يساره ، وهزم الله أعداءه .
والثاني: أربعة آلاف ، قاله والثالث: ألف ، قاله الشعبي . مجاهد .
والرابع: تسعة آلاف ، ذكره الزجاج .
[ ص: 454 ] . والخامس: ثمانية آلاف ، ذكره بعض المفسرين .