فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون .
قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون) قرأ "يبغون بالياء مفتوحة . (وإليه ترجعون) بالتاء مضمومة ، وقرأها الباقون بالياء في الحرفين . وروى أبو عمرو: حفص عن "يبغون" و"يرجعون" بالياء فيهما ، وفتح الياء وكسر الجيم عاصم: يعقوب على أصله . قال ابن عباس: اختصم أهل الكتابين ، فزعمت كل فرقة أنها أولى بدين إبراهيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم" . فغضبوا ، وقالوا: والله لا نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزلت هذه الآية . والمراد بدين الله ، دين محمد صلى الله عليه وسلم . (وله أسلم) انقاد ، وخضع (طوعا وكرها) الطوع: الانقياد بسهولة ، والكره: الانقياد بمشقة وإباء من النفس .
[ ص: 417 ] وفي معنى الطوع والكره ستة أقوال . أحدها: أن إسلام الكل كان يوم الميثاق طوعا وكرها ، رواه عن مجاهد ابن عباس ، عن والأعمش وبه قال مجاهد ، والثاني: أن المؤمن يسجد طائعا ، والكافر يسجد ظله وهو كاره ، روي عن السدي . ورواه ابن عباس ، ابن أبي نجيح ، وليث عن والثالث: أن الكل أقروا له بأنه الخالق ، وإن أشرك بعضهم ، فإقراره بذلك حجة عليه في إشراكه ، هذا قول أبي العالية ، ورواه مجاهد . منصور عن والرابع: أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم مخافة السيف ، هذا قول مجاهد . والخامس: أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم حين رأى بأس الله ، فلم ينفعه في ذلك الوقت ، هذا قول الحسن . والسادس: أن إسلام الكل خضوعهم لنفاذ أمره في جبلتهم ، لا يقدر أحد أن يمتنع من جبلة جبله عليها ، ولا على تغييرها ، هذا قول قتادة . وهو معنى قول الزجاج ، انقاد كلهم له . الشعبي: