قوله تعالى: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار) قال أودع رجل ألفا ومئتي أوقية من ذهب ابن عباس: فأداهما إليه ، فمدحه الله بهذه الآية ، وأودع رجل عبد الله بن سلام ، فنحاص بن عازوراء دينارا ، فخانه . وأهل الكتاب: اليهود . وقد سبق الكلام في القنطار . وقيل: إن "الباء" في قوله: "بقنطار" بمعنى "على" فأما الدينار ، فقرأت على [ ص: 409 ] شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال: الدينار فارسي معرب ، وأصله: دنار ، وهو وإن كان معربا ، فليس تعرف له العرب اسما غير الدينار ، فقد صار كالعربي ، ولذلك ذكره الله تعالى في كتابه ، لأنه خاطبهم بما عرفوا . واشتقوا منه فعلا ، فقالوا: رجل مدنر: كثير الدنانير . وبرذون مدنر: أشهب مستدير النقش ببياض وسواد . فإن قيل: لم خص أهل الكتاب بأن فيهم خائنا وأمينا والخلق على ذلك ، فالجواب: أنهم يخونون المسلمين استحلالا لذلك ، وقد بينه في قوله تعالى: (ليس علينا في الأميين سبيل) فحذر منهم . وقال الأمانة ترجع إلى من أسلم منهم ، والخيانة إلى من لم يسلم . وقيل: إن الذين يؤدون الأمانة: النصارى ، والذين لا يؤدونها: اليهود . مقاتل:
قوله تعالى: (إلا ما دمت عليه قائما) قال أهل الفراء: الحجاز يقولون: دمت ودمتم ، ومت ومتم . وتميم يقولون: مت ودمت بالكسر ، ويجتمعون في "يفعل" يدوم ويموت . وفي هذا القيام قولان . أحدهما: أنه التقاضي ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والفراء ، وابن قتيبة ، قال والزجاج . والمعنى: ما دمت مواظبا بالاقتضاء له والمطالبة . وأصل هذا أن المطالب بالشيء يقوم فيه ، ويتصرف . والتارك له يقعد عنه . [قال ابن قتيبة: الأعشى:
يقوم على الرغم في قومه فيعفوا إذا شاء أو ينتقم
أي: يطالب بالذحل ولا يقعد عنه . قال تعالى: (ليسوا سواء) ] من أهل الكتاب أمة قائمة [ آل عمران: 113 ] . أي: علامة غير تاركه ، وقال تعالى: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ الرعد: 33 ] . أي: آخذ لها بما كسبت . والثاني: أنه القيام حقيقة ، فتقديره: إلا ما دمت قائما على رأسه ، فإنه يعترف بأمانته ، فإذا ذهبت ، ثم جئت ، جحدك ، قاله السدي .
قوله تعالى: (ذلك) يعني: الخيانة . والسبيل: الإثم والحرج ، ونظيره ما على [ ص: 410 ] المحسنين من سبيل [ التوبة: 91 ] قال إنما استحل اليهود أموال المسلمين ، لأنهم عندهم ليسوا أهل كتاب . قتادة:
قوله تعالى: (ويقولون على الله الكذب) قال يقولون: قد أحل الله لنا أموال السدي: العرب .
قوله تعالى: (وهم يعلمون) قولان . أحدهما: يعلمون أن الله قد أنزل في التوراة الوفاء ، وأداء الأمانة . والثاني: يقولون الكذب ، وهم يعلمون أنه كذب .