قوله تعالى: (فنادته الملائكة) قرأ ابن كثير ، ونافع ، ، وعاصم وأبو عمرو ، فنادته بالتاء ، وقرأ وابن عامر: حمزة ، فناداه بألف ممالة ، قال والكسائي: أبو علي: هو كقوله تعالى: (وقال نسوة) [ يوسف: 20 ] . وقرأ علي ، وابن مسعود ، "فناداه" بألف . وفي الملائكة قولان . أحدهما: وابن عباس: جبريل وحده ، قال السدي ، ووجهه أن ومقاتل ، العرب تخبر عن الواحد بلفظ الجمع ، تقول: ركبت في السفن ، وسمعت هذا من الناس . والثاني: أنهم جماعة من الملائكة ، وهو مذهب قوم ، منهم وفي المحراب قولان . أحدهما: أنه المسجد . والثاني: أنه قبلة المسجد . وفي ابن جرير الطبري . ، ثلاثة أقوال . أحدها: لانفراد الإمام فيه ، وبعده من الناس ، ومنه قولهم: فلان حرب لفلان: إذا كان بينهما مباغضة ، وتباعد ، ذكره تسمية محراب الصلاة محرابا عن أبيه ، عن ابن الأنباري أحمد بن عبيد . والثاني: أن المحراب في اللغة أشرف الأماكن ، وأشرف المسجد مقام الإمام . والثالث: أنه من الحرب فالمصلي محارب للشيطان .
قوله تعالى: (أن الله يبشرك بغلام) قرأ الأكثرون بفتح الألف على معنى: فنادته الملائكة بأن الله ، فلما حذف الجار منها ، وصل الفعل إليها ، فنصبها . وقرأ ابن عامر ، بكسر "إن" فأضمر القول . والتقدير: فنادته ، فقالت: إن الله يبشرك . وقرأ وحمزة ، ابن كثير ، يبشرك بضم الياء: وفتح الباء ، والتشديد في جميع القرآن إلا في (حم عسق) . (يبشر الله عباده) [ الشورى: 23 ] فإنهما فتحا الياء وضما الشين ، وخففاها . فأما وأبو عمرو: نافع ، وابن عامر ، ، فشددا كل القرآن . وقرأ وعاصم "يبشر" خفيفا في كل القرآن ، إلا قوله تعالى: (فبم تبشرون) [ الحجر: 54 ] . وقرأ حمزة: "يبشر" مخففة في [ ص: 382 ] خمسة مواضع ، في (آل عمران) في قصة الكسائي زكرياء ، وقصة مريم ، وفي بني (إسرائيل) ، وفي (الكهف) وفي (حم عسق) قال وفي "يبشرك" ثلاث لغات . أحدها: يبشرك ، بفتح الباء وتشديد الشين . والثانية: "يبشرك" بإسكان الباء ، وضم الشين . والثالثة: "يبشرك" بضم الياء وإسكان الباء ، فمعنى "يبشرك" بالتشديد و"يبشرك" بضم الياء: البشارة . ومعنى "يبشرك" بفتح الياء: يسرك ويفرحك ، يقال: بشرت الرجل أبشره: إذا أفرحته ، وبشر الرجل يبشر: إذا فرح . الزجاج:
وأنشد الأخفش والكسائي:
وإذا لقيت الباهشين إلى العلى غبرا أكفهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
فهذا على بشر يبشر: إذا فرح . وأصل هذا كله أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور ، ومنه قولهم: يلقاني ببشر . أي: بوجه منبسط ، وفي معنى تسميته "يحيى" خمسة أقوال . أحدها: لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه ، قاله والثاني: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان ، قاله ابن عباس . والثالث: لأنه أحياه بين شيخ وعجوز ، قاله قتادة . والرابع: لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها ، قاله مقاتل . والخامس: لأن الله أحياه بالطاعة ، [ ص: 383 ] فلم يعص ، ولم يهم ، قاله الزجاج . الحسن بن الفضل . وفي "الكلمة" قولان . أحدهما: أنها عيسى ، وسمي كلمة ، لأنه بالكلمة كان ، وهي "كن" وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وقيل: إن ومقاتل . يحيى كان أكبر من عيسى بستة أشهر ، وقتل يحيى قبل رفع عيسى . والثاني: أن الكلمة كتاب الله وآياته ، وهو قول في آخرين ووجهه أن أبي عبيدة العرب تقول: أنشدني فلان كلمة ، أي: قصيدة . وفي معنى السيد ثمانية أقوال . أحدها: أنه الكريم على ربه قاله ابن عباس ، والثاني: أنه الحليم التقي ، روي عن ومجاهد . أيضا ، وبه قال ابن عباس والثالث: أنه الحكيم ، قاله الضحاك . الحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، وأبو الشعثاء ، والربيع ، والرابع: أنه الفقيه العالم ، قاله ومقاتل . والخامس: أنه التقي ، رواه سعيد بن المسيب . سالم عن والسادس: أنه الحسن الخلق ، رواه ابن جبير . أبو روق عن والسابع: أنه الشريف ، قاله الضحاك . ابن زيد . والثامن: أنه الذي يفوق قومه في الخير ، قاله وقال الزجاج . السيد هاهنا: الرئيس ، والإمام في الخير . فأما "الحصور" فقال ابن الأنباري: هو الذي لا يأتي النساء ، وهو فعول بمعنى مفعول ، كأنه محصور عنهن ، أي: محبوس عنهن . وأصل الحصر: الحبس . ومما جاء على "فعول" بمعنى "مفعول" ركوب بمعنى مركوب ، وحلوب بمعنى محلوب ، وهيوب بمعنى مهيب . واختلف المفسرون لماذا كان لا يأتي النساء؟ على أربعة أقوال . أحدها: أنه لم يكن له ما يأتي به النساء ، فروى ابن قتيبة: عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: عبد الله بن عمرو بن العاص "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا" قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض ، فأخذ عودا صغيرا ، ثم قال: "وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود ، ولذلك سماه الله سيدا وحصورا" وقال كان له كالنواة . [ ص: 384 ] . والثاني: أنه كان لا ينزل الماء ، قاله سعيد بن المسيب: ابن عباس ، والثالث: أنه كان لا يشتهي النساء ، قاله والضحاك . الحسن ، وقتادة ، والرابع: أنه كان يمنع نفسه من شهواتها ، ذكره والسدي . الماوردي .
قوله تعالى: (ونبيا من الصالحين) قال معناه: من الصالحي الحال عند الله . ابن الأنباري: