لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير .
قوله تعالى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أما إبداء ما في النفس ، فإنه العمل بما أضمره العبد ، أو النطق ، وهذا مما يحاسب عليه العبد ، ويؤاخذ به ، وأما ما يخفيه في نفسه ، فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على قولين . أحدهما: أنه عام في جميع المخفيات ، وهو قول الأكثرين . واختلفوا: هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة ، أم منسوخ؟ على قولين . أحدهما: أنه منسوخ بقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة: 286 ] . هذا قول ابن مسعود ، وأبي هريرة ، في رواية ، وابن عباس والحسن ، والشعبي ، [ ص: 343 ] وابن سيرين ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، وابن زيد ، والثاني: أنه ثابت في المؤاخذة على العموم ، فيؤاخذ به من يشاء ، ويغفره لمن يشاء ، وهذا مروي عن ومقاتل . ابن عمر ، واختاره والحسن ، أبو سليمان الدمشقي ، والقاضي أبو يعلى . وروى ابن أبي طلحة عن أنه قال: هذه الآية لم تنسخ ، ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق ، يقول لهم: إني مخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ، ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله تعالى: ابن عباس (يحاسبكم به الله) يقول: يخبركم به الله ، وأما أهل الشرك والريب ، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله تعالى: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .
[ ص: 344 ] والأكثرون على تسكين راء "فيغفر" وباء "يعذب" منهم ابن كثير ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وإنما جزموا لإتباع هذا ما قبله ، وهو "يحاسبكم" وقرأ والكسائي . ، أبو جعفر وابن عامر ، وعاصم ويعقوب: برفع الراء ، والباء فيهما . فهؤلاء قطعوا الكلام عن الأول ، قال وقد ذهب قوم إلى أن المحاسبة هاهنا هي إطلاع الله العبد يوم القيامة على ما كان حدث به نفسه في الدنيا ، ليعلم أنه لم يعزب عنه شيء . قال: والذي نختاره أن تكون الآية محكمة ، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي . وقد روي عن ابن الأنباري: أنها قالت: أما ما أعلنت ، فالله يحاسبك به ، وأما ما أخفيت ، فما عجلت لك به العقوبة في الدنيا . والقول الثاني: أنه أمر خاص في نوع من المخفيات ، ولأرباب هذا القول فيه قولان . أحدهما: أنه كتمان الشهادة ، قاله عائشة في رواية ، ابن عباس وعكرمة ، والثاني: أنه الشك واليقين ، قاله والشعبي . فعلى هذا المذكور تكون الآية محكمة . مجاهد .