وهي مكية بإجماعهم
وقال فيها من المدني آية، وهي قوله تعالى: مقاتل: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة [المدثر: 31] .
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من [ ص: 399 ] يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر
فأما سبب نزولها، فروى البخاري في "صحيحيهما" من حديث ومسلم قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جابر بن عبد الله بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو في الهواء "يعني: جبريل عليه السلام" فأقبلت إلى فقلت: دثروني دثروني ، فأنزل الله عز وجل خديجة، "يا أيها المدثر قم فأنذر" قال المفسرون: فلما رأى جاورت جبريل وقع مغشيا عليه، فلما أفاق دخل إلى ودعا بماء فصبه عليه، وقال: دثروني ، فدثروه بقطيفة، فأتاه خديجة، جبريل فقال: "يا أيها المدثر" وقرأ ، أبي بن كعب وأبو عمران، "المتدثر" بإظهار التاء . وقرأ والأعمش أبو رجاء، وعكرمة، "المدثر" بحذف التاء، وتخفيف الدال . قال اللغويون: وأصل "المدثر" المتدثر، فأدغمت التاء، كما ذكرنا في المتزمل، وهذا في قول الجمهور من التدثير بالثياب . وقيل المعنى: يا أيها المدثر بالنبوة، وأثقالها . قال وابن يعمر دثرت هذا الأمر فقم به . عكرمة:
[ ص: 400 ] قوله تعالى: قم فأنذر كفار مكة العذاب إن لم يوحدوا "وربك فكبر" أي: عظمه عما يقول عبدة الأوثان "وثيابك فطهر" فيه ثمانية أقوال .
أحدها: لا تلبسها على معصية، ولا على غدر . قال غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
روى هذا المعنى عن عكرمة ابن عباس .
والثاني: لا تكن ثيابك من مكسب غير طاهر، روي عن أيضا . ابن عباس
والثالث: طهر نفسك من الذنب، قاله مجاهد، ويشهد له قول وقتادة . عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
أي: نفسه، وهذا مذهب قال: المعنى: طهر نفسك من الذنوب، فكنى عن الجسم بالثياب، لأنها تشتمل عليه . قالت ابن قتيبة . ليلى الأخيلية وذكرت إبلا:
رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا
أي: ركبوها، فرموها بأنفسهم . والعرب تقول للعفاف: إزار، لأن العفيف كأنه استتر لما عف .
[ ص: 401 ] والرابع: وعملك فأصلح، قاله الضحاك .
والخامس: خلقك فحسن، قاله الحسن، والقرظي .
والسادس: وثيابك فقصر وشمر، قاله طاووس .
والسابع: قلبك فطهر، قاله ويشهد له قول سعيد بن جبير . امرئ القيس .
فإن يك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
أي: قلبي من قلبك .
والثامن: اغسل ثيابك بالماء، ونقها، قاله ابن سيرين، وابن زيد .
قوله تعالى: والرجز فاهجر قرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة، إلا وعاصم أبا بكر، ويعقوب، وابن محيصن، وابن السميفع "والرجز" بضم الراء . والباقون بكسرها . ولم يختلفوا في غير هذا الموضع . قال ومعنى القراءتين واحد . وقال الزجاج: أبو علي: قراءة بالضم، وقال: هو اسم صنم . وقال الحسن صنمان: إساف، ونائلة . ومن كسر، فالرجز: العذاب . فالمعنى: ذو العذاب فاهجر . قتادة:
وفي معنى "الرجز" للمفسرين ستة أقوال .
أحدها: أنه الأصنام، والأوثان، قاله ابن عباس . ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والزهري، والسدي، وابن زيد .
[ ص: 402 ] والثاني: أنه الإثم، روي عن أيضا . ابن عباس
والثالث: الشرك، قاله ابن جبير، والضحاك .
والرابع: الذنب، قاله الحسن .
والخامس: العذاب، قاله قال ابن السائب . الرجز في اللغة: العذاب . ومعنى الآية: اهجر ما يؤدي إلى عذاب الله . الزجاج:
والسادس: الشيطان، قاله ابن كيسان . "ولا تمنن تستكثر" فيه أربعة أقوال .
أحدها: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها، قاله ابن عباس، وعكرمة، قال المفسرون: معناه: أعط لربك وأرد به الله، فأدبه بأشرف الآداب . ومعنى "لا تمنن" لا تعط شيئا من مالك لتعطى أكثر منه، وهذا الأدب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وليس على أحد من أمته إثم أن يهدي هدية يرجو بها ثوابا أكثر منها . وقتادة .
والثاني: لا تمنن بعملك تستكثره على ربك، قاله الحسن .
والثالث: لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه، قاله مجاهد .
والرابع: لا تمنن على الناس بالنبوة لتأخذ عليها منهم أجرا، قاله ابن زيد .
[ ص: 403 ] "ولربك" فيه أربعة أقوال .
أحدها: لأجل ربك . والثاني: لثواب ربك . والثالث: لأمر ربك . والرابع: لوعد ربك "فاصبر" فيه قولان .
أحدهما: على طاعته وفرائضه . والثاني: على الأذى والتكذيب .
قوله تعالى: فإذا نقر في الناقور أي: نفخ في الصور . وهل هذه النفخة هي الأولى أو الثانية؟ فيه قولان "فذلك يومئذ يوم عسير" أي: يعسر الأمر فيه "على الكافرين غير يسير" غير هين "ذرني" قد شرحناه في [المزمل: 11] "ومن خلقت" أي: ومن خلقته "وحيدا" فيه قولان .
أحدهما: خلقته وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد، قاله مجاهد .
والثاني: خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد، قاله قال الزجاج . ابن عباس: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله، فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا . قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، فوالله ما يشبهها الذي يقول، والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه طلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى . قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه . فقال: هذا سحر يؤثر: يأثره عن غيره، فنزلت "ذرني ومن خلقت وحيدا . . . " الآيات كلها . وقال مجاهد: قال الوليد لقريش: إن لي إليكم [ ص: 404 ] حاجة فاجتمعوا في دار الندوة، فقال: إنكم ذوو أحساب وأحلام، وإن العرب يأتونكم، وينطلقون من عندكم على أمر مختلف، فأجمعوا على شيء واحد . ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: نقول: إنه شاعر، فعبس عندها، وقال: قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر . فقالوا: نقول: إنه كاهن، قال: إذن يأتونه فلا يجدونه يحدث بما يحدث به الكهنة، قالوا: نقول: إنه مجنون، قال: إذن يأتونه فلا يجدونه مجنونا . فقالوا: نقول: إنه ساحر . قال: وما الساحر؟ قالوا: بشر يحببون بين المتباغضين، ويبغضون بين المتحابين، قال: فهو ساحر، فخرجوا لا يلقى أحد منهم النبي إلا قال: يا ساحر، فاشتد ذلك عليه، فأنزل الله عز وجل "يا أيها المدثر" إلى قوله تعالى: إن هذا إلا سحر يؤثر وذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى: ذرني ومن خلقت وحيدا منسوخ بآية السيف ولا يصح .
قوله تعالى: وجعلت له مالا ممدودا في معنى الممدود ثلاثة أقوال .
أحدها: كثيرا، قاله والثاني: دائما، قاله أبو عبيدة . والثالث: غير منقطع، قاله ابن قتيبة . الزجاج .
وللمفسرين في مقداره أربعة أقوال .
أحدها: غلة شهر بشهر، قاله عمر بن الخطاب .
والثاني: ألف دينار، قاله ابن عباس، ومجاهد، قال وابن جبير . [ ص: 405 ] نرى أن الممدود: جعل غاية للعدد، لأن "ألف" غاية للعدد يرجع في أول العدد من الألف . الفراء:
والثالث: أربعة آلاف، قاله قتادة .
والرابع: أنه بستان كان له بالطائف لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا، قاله مقاتل .
قوله تعالى: وبنين شهودا أي: حضروا معه لا يحتاجون إلى التصرف والسفر فيغيبوا عنه . وفي عددهم أربعة أقوال .
أحدها: عشرة، قاله مجاهد، والثاني: ثلاثة عشر، قاله وقتادة . والثالث: اثنا عشر، قاله ابن جبير . والرابع: سبعة، قاله السدي . مقاتل "ومهدت له تمهيدا" أي: بسطت له العيش، وطول العمر، "ثم يطمع أن أزيد" فيه قولان . أحدهما: يطمع أن أدخله الجنة . ،قاله والثاني: أن أزيده من المال والولد، قاله الحسن . مقاتل .
قوله تعالى: كلا أي: لا أفعل، فمنعه الله المال والولد حتى مات فقيرا "إنه كان لآياتنا عنيدا" أي: معاندا .
وفي المراد بالآيات هنا ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه القرآن، قاله والثاني: الحق، قاله ابن جبير . والثالث: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد . السدي .
وقوله تعالى: سأرهقه صعودا قال سأحمله على مشقة من العذاب . وقال غيره: سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها . وقال الزجاج "الصعود": [ ص: 406 ] العقبة الشاقة، وكذلك "الكؤود" . وفي حديث ابن قتيبة: أبي سعيد سأرهقه صعودا قال: جبل من نار يكلف أن يصعده، فإذا وضع رجله عليها ذابت، فإذا رفعها عادت . يصعد سبعين خريفا، ثم يهوي فيه كذلك أبدا . وذكر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: أنه جبل من صخرة ملساء في النار، يكلف أن يصعدها حتى إذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها، ثم يكلف أن يصعدها، فذلك دأبه أبدا، يجذب من أمامه سلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد، فيصعدها في أربعين سنة . ابن السائب
قوله تعالى: إنه فكر أي: تفكر ماذا يقول في القرآن "وقدر" القول في نفسه "فقتل" أي: لعن "كيف قدر ثم قتل كيف قدر" أي: لعن على أي حال قدر ما قدر من الكلام . وقيل: "كيف" ها هنا بمعنى التعجب والإنكار والتوبيخ . وإنما كرر تأكيدا "ثم نظر" في طلب ما يدفع به القرآن، ويرده ، "ثم عبس وبسر" قال اللغويون: أي: كره وجهه وقطب . يقال: بسر الرجل وجهه، أي: قبضه . وأنشدوا لتوبة: [ ص: 407 ]
وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
قال المفسرون: كره وجهه، ونظر بكراهية شديدة، كالمهتم المتفكر في الشيء "ثم أدبر" عن الإيمان "واستكبر" أي: تكبر حين دعي إليه "فقال: "إن هذا" أي: ما هذا القرآن "إلا سحر يؤثر" أي: يروى عن السحرة "إن هذا إلا قول البشر" أي: من كلام الإنس، وليس من كلام الله تعالى، فقال الله تعالى: سأصليه سقر أي: سأدخله النار . وقد ذكر "سقر" في سورة [القمر: 48] "وما أدراك ما سقر" لعظم شأنها "لا تبقي ولا تذر" أي: لا تبقي لهم لحما إلا أكلته، ولا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا "لواحة" أي: مغيرة . يقال: لاحته الشمس، أي: غيرته . وأنشدوا:
يا ابنة عمي لاحني الهواجر
وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، "لواحة" بالنصب . وفي البشر قولان . وابن أبي عبلة
أحدهما: أنه جمع بشرة، وهي جلدة الإنسان الظاهرة، وهذا قول مجاهد، والفراء، والزجاج .
والثاني: أنهم الإنس من أهل النار، قاله الأخفش، في آخرين . وابن قتيبة
قوله تعالى: عليها تسعة عشر وهم خزانها، مالك ومعه ثمانية عشر، أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين [ ص: 408 ] منكبي أحدهم مسيرة سنة، يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر . قد نزعت منهم الرحمة . فلما نزلت هذه الآية قال أبو جهل: يخوفكم محمد بتسعة عشر، أما له من الجنود إلا هؤلاء! أيعجز كل عشرة منكم أن يبطش بواحد منهم، ثم يخرجون من النار! فقال أبو الأشدين - قال اسمه: مقاتل: أسيد بن كلدة . وقال غيره: كلدة بن خلف الجمحي : (يا معشر قريش: أنا أمشي بين أيديكم فأرفع عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر، فندخل الجنة، فأنزل الله تعالى: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة لا أدميين، فمن يطيقهم ومن يغلبهم؟! "وما جعلنا عدتهم" في هذه القلة "إلا فتنة" أي: ضلالة "للذين كفروا" حتى قالوا ما قالوا "ليستيقن الذين أوتوا الكتاب" أن ما جاء به محمد حق، لأن عدتهم في التوراة تسعة عشر "ويزداد الذين آمنوا" من أهل الكتاب "إيمانا" أي: تصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ وجدوا ما يخبرهم موافقا لما في كتابهم "ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون" أي: ولا يشك هؤلاء في عدد الخزنة "وليقول الذين في قلوبهم مرض" وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه النفاق، ذكره الأكثرون،
والثاني: أنه الشك، قاله وزعم أنهم يهود أهل مقاتل: المدينة، وعنده أن هذه الآية مدنية .
[ ص: 409 ] والثالث: أنه الخلاف، قاله وقال: لم يكن الحسين بن الفضل . بمكة نفاق . وهذه مكية . فأما "الكافرون" فهم مشركو العرب، "ماذا أراد الله" أي: أي شيء أراد الله؟، "بهذا" الحديث والخبر "مثلا" والمثل يكون بمعنى الحديث نفسه . ومعنى الكلام: يقولون: ما هذا من الحديث "كذلك" أي: كما أضل من أنكر عدد الخزنة، وهدى من صدق "يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" وأنزل في قول أبي جهل: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار . وذلك أن لكل واحد من هؤلاء التسعة عشر من الأعوان ما لا يعلمه إلا الله . وذكر في وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر قولا محتملا، فقال: التسعة عشر: عدد يجمع أكثر القليل، وأقل الكثير، لأن الآحاد أقل الأعداد، وأكثرها تسعة، وما سوى الآحاد كثير . وأقل الكثير: عشرة، فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير، وأكثر القليل . ثم رجع إلى ذكر النار فقال تعالى: الماوردي وما هي إلا ذكرى أي: ما النار في الدنيا إلا مذكرة لنار الآخرة "كلا" أي: حقا "والقمر . والليل إذ أدبر" قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، عن وأبو بكر "إذا أدبر" وقرأ عاصم نافع، وحمزة، وحفص، والمفضل عن عاصم، ويعقوب "إذ" بسكون الذال من غير ألف بعدها "أدبر" بسكون الدال، وبهمزة قبلها . وهل معنى القراءتين واحد، أم لا؟ فيه قولان .
أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد . يقال: دبر الليل، وأدبر . ودبر الصيف وأدبر، هذا قول الفراء، والأخفش، وثعلب . [ ص: 410 ] والثاني: أن "دبر" بمعنى خلف، و"أدبر" بمعنى ولى . يقال: دبرني فلان: جاء خلفي، وإلى هذا المعنى ذهب وابن قتيبة . أبو عبيدة
قوله تعالى إذا أسفر أي: أضاء وتبين "إنها" يعني سقر "لإحدى الكبر" قال الكبر، جمع كبرى،مثل الأول، والأولى، والصغر والصغرى . وهذا كما يقال: إنها لإحدى العظائم . قال ابن قتيبة: والله ما أنذر الله بشيء أوهى منها . الحسن:
وقال ابن السائب، أراد بالكبر: دركات جهنم السبعة . ومقاتل:
قوله تعالى: نذيرا للبشر قال نصب "نذيرا" على الحال . والمعنى: إنها لكبيرة في حالة الإنذار . وذكر "النذير"، لأن معناه معنى العذاب . ويجوز أن يكون "نذيرا" منصوبا متعلقا بأول السورة، على معنى: قم نذيرا للبشر . الزجاج:
قوله تعالى لمن شاء منكم بدل من قوله تعالى: للبشر "أن يتقدم أو يتأخر" فيه أربعة أقوال .
أحدها: أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر عن معصيته، قاله ابن جريج .
والثاني: أن يتقدم إلى النار، أو يتأخر عن الجنة، قاله السدي .
والثالث: أن يتقدم في الخير، أو يتأخر إلى الشر، قاله يحيى بن سلام .
والرابع: أن يتقدم في الإيمان، أو يتأخر عنه . والمعنى: أن الإنذار قد حصل لكل أحد ممن أقر أو كفر .