قوله تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وفيها قولان .
أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله عطاء .
والثاني: الأخيرة، قاله ابن السائب، ومقاتل . "وحملت الأرض [ ص: 349 ] والجبال" أي: حملت الأرض والجبال وما فيها "فدكتا دكة واحدة" أي: كسرتا، ودقتا دقة واحدة، لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيء، فتصير كالأديم الممدود . وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الأعراف] عند قوله تعالى: جعله دكا [آية: 143] . قال وإنما قال: فدكتا، ولم يقل: فدككن، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد، كقوله تعالى: الفراء: أن السماوات والأرض كانتا رتقا [الأنبياء: 30]، وأنشدوا:
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما
والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت، أو تهيأت للولادة .
قوله تعالى: فيومئذ وقعت الواقعة أي: قامت القيامة وانشقت السماء لنزول من فيها من الملائكة فهي يومئذ واهية فيه قولان .
أحدهما: أن وهيها: ضعفها وتمزقها من الخوف، قاله مقاتل .
والثاني: أنه تشققها، قاله الفراء "والملك" يعني: الملائكة، فهو اسم جنس "على أرجائها" أي: على جوانبها . قال ورجاء كل شيء: ناحيته، مقصور . والتثنية: رجوان، والجمع: أرجاء . وأكثر المفسرين على أن [ ص: 350 ] المشار إليها السماء . قال الزجاج: إذا انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بها، ومن عليها . وروي عن الضحاك: أنه قال: على أرجاء الدنيا . سعيد بن جبير
قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: فوق رؤوسهم، أي: العرش على رؤوس الحملة، قاله مقاتل .
والثاني: فوق الذين على أرجائها، أي: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجائها .
والثالث: أنهم فوق أهل القيامة، حكاهما "يومئذ" أي: يوم القيامة "ثمانية" فيه ثلاثة أقوال . الماوردي
أحدها: ثمانية أملاك . وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين، هذا قول الجمهور .
والثاني: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل، قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة .
[ ص: 351 ] والثالث: ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إلا الله، قاله وقد روى مقاتل . في "سننه" من حديث أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: جابر بن عبد الله "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" .
قوله تعالى: يومئذ تعرضون على الله لحسابكم (لا تخفى) عليه . قرأ حمزة، "لا يخفى" بالياء . وقرأ الباقون بالتاء . والمعنى: لا يخفى عليه (منكم خافية) أي: نفس خافية، أو فعلة خافية . وفي حديث والكسائي: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أبي موسى فأما عرضتان فجدال، ومعاذير وأما الثالثة، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، وكان يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية . عمر بن الخطاب
(فيقول هاؤم) قال "هاؤم" أمر من الجماعة . بمنزلة هاكم . تقول للواحد: ها يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان . وللثلاثة: هاؤم يا رجال . الزجاج:
[ ص: 352 ] قال المفسرون: إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته . وذكر أنها نزلت في مقاتل أبي سلمة بن عبد الأسد .
قوله تعالى: إني ظننت أي: علمت وأيقنت في الدنيا "أني ملاق حسابيه" أي: أبعث، وأحاسب في الآخرة (فهو في عيشة) أي: حالة من العيش "راضية" قال أي: فيها الرضى . الفراء:
وقال أي: ذات رضى يرضاها من يعيش فيها . وقال الزجاج: مجازها مجاز مرضية أبو عبيدة: "في جنة عالية" أي: عالية المنازل "قطوفها" أي: ثمارها "دانية" أي: قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف . والقطف: ما يقطف من الثمار . قال يتناول الثمرة وهو نائم . البراء بن عازب:
قوله تعالى: كلوا أي: يقال لهم: كلوا "واشربوا هنيئا بما أسلفتم" أي: قدمتم من الأعمال الصالحة في "الأيام الخالية" الماضية، وهي أيام الدنيا . (وأما من أوتي كتابه بشماله) قال نزلت في مقاتل: الأسود بن عبد الأسود، قتله حمزة ببدر، وهو أخو أبي سلمة . وقيل: نزلت في أبي جهل .
قوله تعالى يا ليتني لم أوت كتابيه وذلك لما يرى فيه من القبائح (ولم أدر ما حسابيه) لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب، إنما كله عليه . وكان ابن مسعود، وقتادة، ويعقوب، يحذفون الهاء من "كتابيه" و"حسابيه" في الوصل . قال والوجه أن يوقف على هذه الهاآت، ولا توصل، لأنها أدخلت للوقف . وقد حذفها قوم في الوصل، ولا أحب مخالفة المصحف، وكذلك قوله تعالى: الزجاج: وما أدراك ما هيه [القارعة: 10] .
قوله تعالى: يا ليتها يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا (كانت القاضية) [ ص: 353 ] أي: القاطعة للحياة، فكأنه تمنى دوام الموت، وأنه لم يبعث للحساب (هلك عني سلطانيه) فيه قولان .
أحدهما: ضلت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي .
والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد .
قوله تعالى: خذوه أي: يقول الله تعالى: خذوه فغلوه أي: اجمعوا يده إلى عنقه (ثم الجحيم صلوه) أي: أدخلوه النار . وقال اجعلوه يصلى النار الزجاج: (ثم في سلسلة) وهي حلق منتظمة (ذرعها سبعون ذراعا) قال بذراع الملك . وقال ابن عباس: نوف الشامي: كل ذراع سبعون باعا، الباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة . وقال كل ذراع سبعون ذراعا . وقال سفيان: ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول . ويقال: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة . مقاتل:
قوله تعالى: فاسلكوه أي: أدخلوه . قال وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها . والمعنى: ثم اسلكوا فيه السلسلة، ولكن الفراء: العرب تقول: أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي . ويقال: الخاتم لا يدخل في يدي، وإنما اليد تدخل في الخاتم، وإنما استجازوا ذلك، لأن معناه معروف .
قوله تعالى: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم أي: لا يصدق بوحدانيته وعظمته (ولا يحض على طعام المسكين) أي: لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه [ ص: 354 ] (فليس له اليوم ها هنا حميم) أي: قريب ينفعه، أي: يشفع له (ولا طعام إلا من غسلين) فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه صديد أهل النار، قاله قال ابن عباس . إذا سال القيح، والدم بادروا أكله قبل أن تأكله النار . مقاتل:
والثاني: شجر يأكله أهل النار، قاله الضحاك، والربيع: .
والثالث: أنه غسالة أجوافهم، قاله قال يحيى بن سلام . وهو "فعلين" من "غسلت" كأنه غسالة . ابن قتيبة:
وقوله تعالى: إلا الخاطئون يعني الكافرين .