في سبب نزولها خمسة أقوال .
أحدها: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت هذه الآية ، رواه الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده .
والثاني: أن يهود المدينة قالوا: يا محمد! كيف يسمع ربنا دعاءنا ، وأنت تتزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام؟! فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثالث: أنهم قالوا: يا رسول الله! لو نعلم أية ساعة أحب إلى الله أن ندعو فيها دعوانا ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء .
والرابع: أن أصحاب النبي قالوا له: أين الله؟ فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن .
والخامس: أنه لما حرم في الصوم الأول على المسلمين بعد النوم الأكل والجماع; أكل رجل منهم بعد أن نام ، ووطئ رجل بعد أن نام ، فسألوا: كيف التوبة مما عملوا؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ومعنى الكلام: إذا سألوك عني; فأعلمهم أني قريب . مقاتل .
وفي معنى "أجيب" قولان . أحدهما: أسمع ، قاله الفراء ، وابن القاسم . والثاني: أنه من الإجابة (فليستجيبوا لي) أي: فليجيبوني . قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أراد: فلم يجبه . وهذا قول أبي عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج . (لعلهم يرشدون) قال يعني: يهتدون . أبو العالية:
فصل
إن قال قائل: هذه الآية تدل على أن الله تعلى يجيب أدعية الداعين ، وترى كثيرا من الداعين لا يستجاب لهم!
[ ص: 190 ] فالجواب: أن أبا سعيد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم; إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها" .
وجواب آخر: وهو أن أصلها الطاعة لله ، ومنها أكل الحلال ، فإن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء ، ومنها حضور القلب ، ففي بعض الحديث: الدعاء تفتقر إجابته إلى شروط "يقبل الله دعاء من قلب غافل لاه" .
وجواب آخر: وهو أن الداعي قد يعتقد المصلحة في إجابته إلى ما سأل ، وقد لا تكون المصلحة في ذلك ، فيجاب إلى مقصوده الأصلي ، وهو طلب المصلحة ، وقد تكون المصلحة في التأخير أو في المنع .