يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون
قوله تعالى: إذا نودي للصلاة وهذا هو النداء الذي ينادى به إذا جلس الإمام على المنبر، ولم يكن في عهد رسول الله نداء سواه، على باب المسجد، وكذلك كان على عهد بلال أبي بكر، فلما كثر الناس على عهد وعمر، أمر بالتأذين على دار له بالسوق، يقال لها: "الزوراء" وكان إذا جلس أذن أيضا . عثمان كان إذا [ ص: 262 ] جلس على المنبر أذن
قوله تعالى: للصلاة أي: لوقت الصلاة . وفي "الجمعة" ثلاث لغات . ضم الجيم والميم، وهي قراءة الجمهور . وضم الجيم مع إسكان الميم، وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمي، ، وأبو رجاء وعكرمة، والزهري، وابن أبي ليلى، وابن أبي عبلة، وبضم الجيم، مع فتح الميم، وبها قرأ والأعمش . أبو مجلز، وأبو العالية، والنخعي، وعدي بن الفضل عن قال أبي عمرو . من قرأ بتسكين الميم، فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين . وأما فتح الميم، فمعناها: الذي يجمع الناس، كما تقول: رجل لعنة: يكثر لعنة الناس، وضحكة: يكثر الضحك . الزجاج:
[ ص: 263 ] وفي تسمية هذا اليوم بيوم الجمعة ثلاثة أقوال .
أحدها: لأن فيه جمع آدم . روى قال: سلمان [ ص: 264 ] والثاني: لاجتماع الناس فيه للصلاة . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدري ما الجمعة؟" قلت: لا . قال: "فيه جمع أبوك"، يعني: تمام خلقه في يوم .
والثالث: لاجتماع المخلوقات فيه، لأنه اليوم الذي منه فرغ من خلق الأشياء .
وفي أول من سماها بالجمعة قولان .
أحدهما: أنه كعب بن لؤي سماها بذلك، وكان يقال ليوم الجمعة: العروبة، قاله وقيل: إنما سماها بذلك لاجتماع أبو سلمة . قريش فيه .
والثاني: أول من سماها بذلك الأنصار، قاله ابن سيرين .
قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله وفي هذا السعي ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه المشي، قاله وكان ابن عباس . يقرؤها "فامضوا" ويقول: لو قرأتها "فاسعوا" لسعيت حتى يسقط ردائي . وقال ابن مسعود هو الذهاب والمشي إلى الصلاة . [ ص: 265 ] والثاني: أن المراد بالسعي: العمل، قاله عطاء: عكرمة، والقرظي، فيكون المعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له، والاشتغال بالطهارة ونحوها . والضحاك،
والثالث: أنه النية بالقلب، قاله وقال الحسن . هو المبادرة بالنية والجد . ابن قتيبة:
وفي المراد بـ (ذكر الله ) قولان .
أحدهما: أنه الصلاة، قاله الأكثرون . والثاني: موعظة الإمام، قاله سعيد بن المسيب .
قوله تعالى: وذروا البيع أي: دعوا التجارة في ذلك الوقت . وعندنا: أنه لا يجوز البيع في وقت النداء، ويقع البيع باطلا في حق من يلزمه فرض [ ص: 266 ] الجمعة، وبه قال خلافا للأكثرين . مالك
فصل
إذا كان المؤذن صيتا، والريح ساكنة . وقد حده مالك بفرسخ، ولم يحده تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر، وعن الشافعي . في التحديد نحوهما . وتجب الجمعة على أهل القرى . وقال أحمد أبو حنيفة: لا تجب إلا على أهل الأمصار . ويجوز لأهل المصر أن يقيموا الجمعة في الصحراء القريبة من المصر خلافا للشافعي . . وعن ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين أقله خمسون . وعنه: أقله ثلاثة . وقال أحمد: أبو حنيفة: تنعقد بثلاثة والإمام، والعدد شرط في [ ص: 267 ] الجمعة ، وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: يصح أن يخطب منفردا . وهل تجب الجمعة على العبيد؟ فيه عن روايتان . وعندنا: تجب على الأعمى إذا وجد قائدا، خلافا أحمد لأبي حنيفة . خلافا ولا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين، لأبي حنيفة . وهل تجب الجمعة والعيدان من غير إذن سلطان؟ فيه عن روايتان . وتجوز الجمعة في موضعين في البلد مع الحاجة . وقال أحمد مالك، والشافعي، وأبو يوسف: لا تجوز إلا في موضع واحد . وتجوز إقامة الجمعة قبل الزوال خلافا لأكثرهم، وبه قال وإذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن يوم الجمعة، الشعبي، خلافا للأكثرين . والمستحب لأهل الأعذار أن يصلوا الظهر في جماعة . وقال والنخعي، أبو حنيفة: يكره . ولا يجوز . وقال السفر يوم الجمعة بعد الزوال أبو حنيفة: يجوز . وهل يجوز السفر بعد طلوع الفجر؟ فيه عن روايتان . ونقل عن أحمد أنه لا يجوز الخروج في الجمعة إلا للجهاد . وقال أحمد: أبو حنيفة: يجوز لكل سفر . وقال لا يجوز أصلا . الشافعي
. وقال والخطبة شرط في الجمعة داود: هي مستحبة . خلافا والطهارة لا تشترط في الخطبة، في أحد قوليه . والقيام ليس بشرط في الخطبة، خلافا للشافعي ولا تجب القعدة بين الخطبتين، خلافا له أيضا . للشافعي .
[ ص: 268 ] ومن التحميد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والموعظة . وقال شرط الخطبة: أبو حنيفة: يجوز أن يخطب بتسبيحة .
والخطبتان واجبتان . وأما القراءة في الخطبة الثانية، فهي شرط، خلافا للشافعي .
والسنة للإمام إذا صعد المنبر، واستقبل الناس: أن يسلم، خلافا لأبي حنيفة، وهل يحرم الكلام في حال سماع الخطبة؟ فيه عن ومالك . روايتان . ويحرم على المستمع دون الخاطب، خلافا للأكثرين . ولا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة، وبعد الفراغ منها، خلافا أحمد لأبي حنيفة .
ويستحب له أن يصلي تحية المسجد والإمام يخطب، خلافا لأبي حنيفة، ومالك .
وهل يجوز أن يخطب واحد، ويصلي آخر، فيه عن روايتان . أحمد
قوله تعالى: ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون أي: إن كان لكم علم بالأصلح فإذا قضيت الصلاة أي: فرغتم منها فانتشروا في الأرض هذا أمر إباحة وابتغوا من فضل الله إباحة لطلب الرزق بالتجارة بعد المنع منها بقوله تعالى: وذروا البيع وقال الحسن، هو طلب العلم . وابن جبير: