مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا، فقال تعالى: مثل الذين حملوا التوراة أي: كلفوا العمل بما فيها ثم لم يحملوها أي: لم يعملوا بموجبها، ولم يؤدوا حقها كمثل الحمار يحمل أسفارا وهي جمع سفر . والسفر: الكتاب، فشبههم بالحمار لا يعقل ما يحمل، إذ لم ينتفعوا بما في التوراة ، وهي دالة على الإيمان بمحمد [وهذا المثل يلحق من لم يعمل بالقرآن ولم يفهم معانيه بئس مثل القوم ذم مثلهم، والمراد ذمهم، واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوراة حين لم يؤمنوا بمحمد] والله لا يهدي القوم الظالمين أنفسهم بتكذيب الأنبياء .
[ ص: 261 ] قوله تعالى: إن زعمتم أنكم أولياء لله وذلك أن اليهود، قالوا: نحن ولد إسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله، ونحن أولى بالله عز وجل من سائر الناس، وإنما تكون النبوة فينا . فقال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام "قل" لهم إن كنتم أولياء لله فتمنوا الموت لأن الموت خير لأولياء الله من الدنيا . وقد بينا هذا وما بعده في [البقرة: 94] إلى قوله تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه وذلك أن اليهود علموا أنهم أفسدوا على أنفسهم أمر الآخرة بتكذيبهم محمدا، وكانوا يكرهون الموت، فقيل لهم: لا بد من نزوله [بكم] بقوله تعالى: فإنه ملاقيكم قال الفراء: العرب تدخل الفاء في كل خبر كان اسمه مما يوصل، مثل: "من" و"الذي" فمن أدخل الفاء ها هنا ذهب "بالذي" إلى تأويل الجزاء . وفي قراءة إن الموت الذي تفرون منه ملاقيكم وهذا على القياس، لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: فقائم، ولو قلت: إن ضاربك فظالم، لجاز، لأن تأويله: إن من يضربك فظالم . وقال عبد الله إنما جاز دخول الفاء، لأن في الكلام معنى الشرط والجزاء . ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله تعالى: الزجاج: تفرون منه كأنه قيل: إن فررتم من أي موت كان من قتل أو غيره فإنه ملاقيكم وتكون "فإنه" استئنافا بعد الخبر الأول .