قوله تعالى: فذكر أي: فعظ بالقرآن فما أنت بنعمت ربك أي: بإنعامه عليك بالنبوة "بكاهن" وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويخبر عما في غد من غير وحي . والمعنى: إنما تنطق بالوحي لا كما يقول [فيك] كفار مكة .
أم يقولون شاعر أى: هو شاعر . وقال "أم" بمعنى "بل"، قال أبو عبيدة: [ ص: 54 ] الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا
لم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى .
قوله تعالى: نتربص به ريب المنون فيه قولان:
أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس .
والثاني: حوادث الدهر، قاله قال مجاهد، حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، و"المنون" الدهر، قال ابن قتيبة: أبو ذؤيب:
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
هكذا أنشدناه أصحاب عنه، وكان يذهب إلى أن المنون الدهر، قال: وقوله "والدهر ليس بمعتب" يدل على ذلك، كأنه قال: أمن الدهر وريبه تتوجع؟! قال الأصمعي الكسائي: العرب تقول: لا أكلمك آخر المنون، أي: آخر الدهر .
قوله تعالى: قل تربصوا أي: انتظروا بي ذلك فإني معكم من المتربصين أي: من المنتظرين عذابكم، فعذبوا يوم بدر بالسيف . وبعض المفسرين يقول: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، إذ لا تضاد بين الآيتين .
قوله تعالى: أم تأمرهم أحلامهم بهذا قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام، وهي العقول، فأزرى الله بحلومهم، إذ لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل . وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا [ ص: 55 ] وقد وصفهم الله تعالى بالعقول؟! فقال: تلك عقول كادها بارئها، أي: لم يصحبها التوفيق .
وفي قوله: "أم تأمرهم" وقوله: أم هم قولان .
أحدهما: أنهما بمعنى "بل"، قاله أبو عبيدة .
والثاني: بمعنى ألف الاستفهام، قاله قال: والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بترك القبول ممن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدلائل، أم يكفرون طغيانا وقد ظهر لهم الحق؟! وقال الزجاج; المعنى: أم تدلهم عقولهم على هذا؟ لأن الحلم يكون بالعقل، فكنى عنه به . ابن قتيبة:
قوله تعالى: أم يقولون تقوله أي: افتعل القرآن من تلقاء نفسه؟ والتقول: تكلف القول، ولا يستعمل إلا في الكذب "بل" أي: ليس الأمر كما زعموا لا يؤمنون بالقرآن، استكبارا .
فليأتوا بحديث مثله في نظمه وحسن بيانه . وقرأ أبو رجاء، وأبو نهيك، ومورق العجلي، وعاصم الجحدري: "بحديث مثله" بغير تنوين إن كانوا صادقين أن محمدا تقوله .