قوله تعالى: أم خلقوا من غير شيء فيه أربعة أقوال . [ ص: 56 ] أحدها: أم خلقوا من غير رب خالق؟
والثاني: أم خلقوا من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد لا يعقلون؟
والثالث: أم خلقوا من غير شيء كالسماوات والأرض؟ أي: إنهم ليسوا بأشد خلقا من السماوات والأرض، لأنها خلقت من غير شيء وهم خلقوا من آدم وآدم من تراب .
والرابع: أم خلقوا لغير شيء؟ فتكون "من" بمعنى اللام . والمعنى: ما خلقوا عبثا فلا يؤمرون ولا ينهون .
قوله تعالى: أم هم الخالقون فلذلك لا يأتمرون ولا ينتهون؟ لأن الخالق لا يؤمر ولا ينهى .
قوله: تعالى بل لا يوقنون بالحق، وهو توحيد الله وقدرته على البعث . قوله تعالى: أم عندهم خزائن ربك فيه ثلاثة أقوال . أحدها: المطر والرزق، قاله والثاني: النبوة، قاله ابن عباس . والثالث: علم ما يكون من الغيب، ذكره عكرمة . الثعلبي .
وقال المعنى: أعندهم ما في خزائن ربك من العلم، وقيل: من الرزق، فهم معرضون عن ربهم لاستغنائهم؟! الزجاج:
قوله تعالى: أم هم المصيطرون قرأ "المسيطرون" بالسين . وقال ابن كثير: المسلطون . قال ابن عباس: "المصيطرون": الأرباب . يقال: تسيطرت علي، أي: اتخذتني خولا، قال: ولم يأت في كلام أبو عبيدة: العرب اسم على "مفيعل" إلا خمسة أسماء: مهيمن، ومجيمر، ومسيطر، ومبيطر، ومبيقر; فالمهيمن: الله الناظر المحصي الذي لا يفوته [ ص: 57 ] شيء; ومجيمر: جبل; والمسيطر: المسلط; ومبيطر: بيطار; والمبيقر: الذي يخرج من أرض إلى أرض، يقال: بيقر: إذا خرج من بلد إلى بلد . قال امرؤ القيس:
ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا؟
قال المسيطرون: الأرباب المسلطون، يقال: قد تسيطر علينا وتصيطر: بالسين والصاد، والأصل السين، وكل سين بعدها طاء، فيجوز أن تقلب صادا، تقول سطر وصطر، وسطا علينا وصطا . قال المفسرون: معنى الكلام: أم هم الأرباب فيفعلون ما شاؤوا ولا يكونون تحت أمر ولا نهى؟! الزجاج:
قوله تعالى: أم لهم سلم أي: مرقى ومصعد إلى السماء يستمعون فيه أي: عليه الوحي، كقوله: في جذوع النخل [طه: 71] فالمعنى: يستمعون [الوحي] فيعلمون أن ما هم عليه حق فليأت مستمعهم إن ادعى ذلك بسلطان مبين أي، بحجة واضحة كما أتى محمد بحجة على قوله .
أم له البنات ولكم البنون هذا إنكار عليهم حين جعلوا لله البنات .
أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أي: هل سألتهم أجرا على ما جئت به، فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الإسلام؟ والمغرم بمعنى الغرم، وقد شرحناه في [براءة: 98] .
قوله تعالى: أم عندهم الغيب هذا جواب لقولهم: نتربص به ريب المنون والمعنى: أعندهم الغيب؟ وفيه قولان .
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس . قاله ابن عباس .
[ ص: 58 ] والثاني: أعندهم علم الغيب فيعلمون أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون أي، يحكمون فيقولون: سنقهرك . والكتاب: الحكم; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سأقضي بينكما بكتاب الله" أي: بحكم الله عز وجل; وإلى هذا المعنى: ذهب ابن قتيبة .
قوله تعالى: أم يريدون كيدا وهو ما كانوا عزموا عليه في دار الندوة; وقد شرحنا ذلك في قوله: وإذ يمكر بك الذين كفروا [الأنفال: 30] ومعنى هم المكيدون هم المجزيون بكيدهم، لأن ضرر ذلك عاد عليهم فقتلوا ببدر وغيرها .
أم لهم إله غير الله أي ألهم إله يرزقهم ويحفظهم غير الله؟ والمعنى أن الأصنام ليست بآلهة، لأنها لا تنفع ولا تدفع . ثم نزه نفسه عن شركهم بباقي الآية .