وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون
قوله تعالى والطور هذا قسم بالجبل الذي كلم الله عز وجل عليه موسى عليه السلام، وهو بأرض مدين [واسمه زبير] .
وكتاب مسطور أي: مكتوب، وفيه أربعة أقوال .
أحدها: أنه اللوح المحفوظ، قاله عن أبو صالح ابن عباس .
[ ص: 46 ] والثاني: كتب أعمال بني آدم، قاله مقاتل، والزجاج .
والثالث: التوراة .
والرابع: "القرآن" حكاهما الماوردي .
قوله تعالى في رق قال الرق: الورق . فأما المنشور فهو المبسوط . أبو عبيدة:
قوله تعالى: والبيت المعمور فيه قولان .
أحدهما: أنه بيت في السماء . وفي أي سماء هو؟ [فيه] ثلاثة أقوال .
أحدها: رواه [أنه] في السماء السابعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحديث أنس مالك بن صعصعة الذي أخرج في "الصحيحين" يدل عليه .
والثاني: أنه في السماء السادسة، قاله علي رضي الله عنه .
[ ص: 47 ] والثالث: أنه في السماء الدنيا، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو هريرة هو حيال ابن عباس: الكعبة يحجه كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة، يسمى "الضراح" . وقال كان البيت المعمور مكان الربيع بن أنس: الكعبة في زمان آدم، فلما كان زمن نوح أمر الناس بحجه، فعصوه، فلما طغى الماء رفع فجعل بحذاء البيت في السماء الدنيا .
والثاني: أنه البيت الحرام، قاله وقال الحسن . ومعنى "المعمور": الكثير الغاشية . أبو عبيدة:
قوله تعالى: والسقف المرفوع فيه قولان .
أحدهما: أنه السماء، قاله علي رضي الله عنه والجمهور .
والثاني: العرش، قاله الربيع .
قوله تعالى: والبحر فيه قولان .
أحدهما: أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبورهم، قاله علي رضي الله عنه .
والثاني: أنه بحر الأرض، ذكره الماوردي .
وفي "المسجور" أربعة أقوال .
أحدها: المملوء، قاله الحسن، وأبو صالح، وابن السائب، وجميع اللغويين .
[ ص: 48 ] والثاني: أنه الموقد، قاله مجاهد، وقال وابن زيد . شمر بن عطية: هو بمنزلة التنور المسجور .
والثالث: أنه اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، قاله وروي عن أبو العالية . قال: تسجر، يعني البحار، حتى يذهب ماؤها، فلا يبقى فيها قطرة . وقول هذين يرجع إلى معنى قول الحسن وقد نقل في الحديث مجاهد . أن الله تعالى يجعل البحار كلها نارا، فتزاد في نار جهنم .
والرابع: أن "المسجور" المختلط عذبه بملحه، قاله الربيع بن أنس .
فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن تعذيب المشركين حق، فقال: إن عذاب ربك لواقع أي: لكائن في الآخرة .
ثم بين متى يقع، فقال: يوم تمور السماء مورا وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: تدور دورا، رواه عن عكرمة وبه قال ابن عباس، وهو اختيار مجاهد، الفراء وابن قتيبة والزجاج .
والثاني: تحرك تحركا، رواه ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس، وقال قتادة . "تمور" أي: تكفأ وقال أبو عبيدة الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل
والثالث: يموج بعضها في بعض لأمر الله تعالى، قاله وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: 88] إلى قوله: الضحاك . الذين هم في خوض يلعبون [ ص: 49 ] أي: يخوضون في حديث محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء، ويلهون بذكره، فالويل لهم .
و يوم يدعون قال أي: يدفعون، يقال: دععته أدعه، أي: دفعته، ومنه قوله ابن قتيبة: يدع اليتيم [الماعون: 2] . قال يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار . وقال ابن عباس: تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعون إلى جهنم على وجوههم، حتى إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها: مقاتل: هذه النار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا أفسحر هذا العذاب الذي ترون؟ فإنكم زعمتم أن الرسل سحرة أم أنتم لا تبصرون النار؟ فلما ألقوا فيها قال لهم خزنتها: اصلوها . وقال غيره: لما نسبوا محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أنه ساحر يغطي على الأبصار بالسحر، وبخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ، وقيل: اصلوها أي: قاسوا شدتها فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا سواء عليكم الصبر والجزع إنما تجزون جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب .