"يوم نقول لجهنم" قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر; وحمزة، "يوم نقول" بالنون المفتوحة وضم القاف . [وقرأ والكسائي: نافع، وأبو بكر، والمفضل عن "يوم يقول" بالياء المفتوحة وضم القاف] . وقرأ عاصم: ، أبي بن كعب ، والحسن عن وعبد الوارث "يوم يقال" بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف . قال أبي عمرو: وانتصاب "يوم" على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم . والثاني: على معنى: وأنذرهم يوم نقول لجهنم . الزجاج:
فأما فائدة سؤاله إياها، وقد علم هل امتلأت أم لا، فإنه توبيخ لمن أدخلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله: لأملأن جهنم
[الأعراف: 18] وفي قولها: هل من مزيد قولان عند أهل اللغة .
[ ص: 20 ] أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي في موضع لم يمتلئ؟ أي: قد امتلأت .
والثاني: أنها تقول تغيظا على من عصى الله تعالى، وجعل الله فيها أن تميز وتخاطب، كما جعل في النملة أن قالت: ادخلوا مساكنكم [النمل: 18] وفي المخلوقات أن تسبح بحمده .
قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين أي: قربت للمتقين [الشرك] (غير بعيد) أي: جعلت عن يمين العرش حيث يراها أهل الموقف، ويقال لهم: "هذا" الذي ترونه ما توعدون وقرأ عثمان بن عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: "يوعدون" بالياء لكل أواب وفيه أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] . وفي حفيظ قولان .
أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها، قاله ابن عباس .
والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل .
قوله تعالى: من خشي الرحمن بالغيب قد بيناه في [الأنبياء: 49] وجاء بقلب منيب أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته .
(ادخلوها) أي: يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلام وذلك أنهم سلموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغموم والتغير والزوال، وسلم الله وملائكته عليهم ذلك يوم الخلود في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال .
لهم ما يشاءون فيها وذلك أنهم يسألون الله حتى تنتهي مسائلهم، [ ص: 21 ] فيعطون ما شاؤوا، ثم يزيدهم ما لم يسألوا، فذلك قوله: ولدينا مزيد . وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه النظر إلى الله عز وجل; روى علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: "ولدينا مزيد" قال: يتجلى لهم . وقال في قوله: أنس بن مالك "ولدينا مزيد": يتجلى لهم الرب تعالى في كل جمعة .
والثاني: أن فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عز وجل: السحاب يمر بأهل الجنة، فيمطرهم الحور، "ولدينا مزيد" حكاه والثالث: أن الزيادة على ما تمنوه وسألوا مما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ذكره الزجاج . أبو سليمان الدمشقي .
ثم خوف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: "فنقبوا في البلاد" قرأ الجمهور " فنقبوا " بفتح النون والقاف مع تشديدها . وقرأ ، أبي بن كعب وابن عباس، والحسن، وابن السميفع، كذلك، إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهددا . وقرأ ويحيى بن يعمر . عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، وابن أبي عبلة، وعبيد عن "فنقبوا" بفتح القاف وتخفيفها . قال أبي عمرو: ومعنى "فنقبوا" ساروا في البلاد، فهل كان لهم من الموت "من محيص" فأضمرت "كان" ها هنا، كقوله: الفراء: أهلكناهم فلا ناصر لهم [محمد: 13] أي: فلم يكن لهم ناصر . ومن قرأ "فنقبوا" بكسر القاف، فإنه [ ص: 22 ] كالوعيد; والمعنى: اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت من محيص؟! وقال "نقبوا": طوقوا وفتشوا، فلم تروا محيصا من الموت قال الزجاج: امرؤ القيس:
لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
فأما المحيص: فهو المعدل; وقد استوفينا شرحه في سورة [ النساء: 121 ] .
قوله تعالى: إن في ذلك يعني الذي ذكره من إهلاك القرى لذكرى أي: تذكرة وعظة لمن كان له قلب قال أي: عقل . قال ابن عباس: وهذا جائز في اللغة أن تقول: ما لك قلب، وما معك قلبك، تريد العقل . وقال الفراء: لما كان القلب موضعا للعقل كنى به [عنه] . وقال ابن قتيبة: المعنى: لمن صرف قلبه إلى التفهم الزجاج: أو ألقى السمع أي: استمع مني (وهو شهيد) أي: وقلبه فيما يسمع . وقال "وهو شهيد" أي: شاهد ليس بغائب . الفراء:
قوله تعالى: ولقد خلقنا السماوات والأرض ذكر المفسرون أن اليهود قالت: خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، آخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئا، فنزلت هذه الآيات، فأكذبهم الله عز وجل بقوله: وما مسنا من لغوب قال واللغوب: التعب والإعياء . [ ص: 23 ] قوله تعالى: الزجاج: فاصبر على ما يقولون أي: من بهتهم وكذبهم . قال المفسرون: ونسخ معنى قوله: "فاصبر" بآية السيف وسبح بحمد ربك أي: صل بالثناء على ربك والتنزيه [له] مما يقول المبطلون قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر وقبل الغروب فيها قولان .
أحدهما: صلاة الظهر والعصر، قاله ابن عباس .
والثاني: صلاة العصر، قاله وروى قتادة . البخاري في "الصحيحين" من حديث ومسلم قال: جرير بن عبد الله، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا . وقرأ: "فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" .
قوله تعالى: ومن الليل فسبحه فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها صلاة الليل كله، أي وقت صلى منه، قاله مجاهد .
والثاني: صلاة العشاء، قاله ابن زيد .
والثالث: صلاة المغرب والعشاء، قاله مقاتل .
قوله تعالى: وأدبار السجود قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، [ ص: 24 ] بكسر الهمزة; وقرأ الباقون بفتحها . قال وخلف: من فتح ألف "أدبار" فهو جمع دبر، ومن كسرها فهو مصدر: أدبر يدبر إدبارا . الزجاج:
وللمفسرين في هذا التسبيح ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الركعتان بعد صلاة المغرب، روي عن عمر، وعلي، والحسن بن علي، رضي الله عنهم، وأبي هريرة، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، في آخرين، وهو رواية وقتادة عن العوفي ابن عباس .
والثاني أنه النوافل بعد المفروضات ،قاله ابن زيد .
والثالث: أنه التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، رواه عن مجاهد وروي عن ابن عباس . أنه قال في جميع التسبيح المذكور في هاتين الآيتين كذلك . أبي الأحوص