فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .
قوله تعالى: فلا تهنوا أي: فلا تضعفوا وتدعوا إلى السلم قرأ ابن كثير، ونافع، ، وابن عامر، وأبو عمرو والكسائي، وحفص عن "إلى السلم" بفتح السين; وقرأ عاصم: حمزة، عن وأبو بكر بكسر السين، والمعنى: لا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء . وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز طلب الصلح من المشركين، ودلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل عاصم: مكة صلحا، لأنه نهاه عن الصلح .
[ ص: 414 ] قوله تعالى: وأنتم الأعلون أي: أنتم أعز منهم، والحجة لكم، وآخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات والله معكم بالعون والنصرة ولن يتركم قال : أي: لن ينقصكم ولن يظلمكم، يقال: وترتني حقي، أي: بخستنيه . قال المفسرون: المعنى: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا . ابن قتيبة
قوله تعالى: ولا يسألكم أموالكم أي: لن يسألكموها كلها .
قوله تعالى: فيحفكم قال يجهدكم . وقال الفراء: : يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم ابن قتيبة تبخلوا ، [يقال: أحفاني بالمسألة وألحف: إذا ألح . وقال إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا] . السدي:
ويخرج أضغانكم وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، "ويخرج" بياء مرفوعة وفتح الراء "أضغانكم" بالرفع . وقرأ وابن يعمر: ، أبي بن كعب وأبو رزين ، وعكرمة، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري : "وتخرج" بتاء مفتوحة ورفع الراء "أضغانكم" بالرفع . وقرأ ابن مسعود، والوليد عن [ ص: 415 ] يعقوب: "ونخرج" بنون مرفوعة وكسر الراء "أضغانكم" بنصب النون، أي: يظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم; ولكنه فرض عليكم يسيرا .
وفيمن يضاف إليه هذا الإخراج وجهان .
أحدهما: إلى الله عز وجل . والثاني: البخل، حكاهما الفراء . وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وليس بصحيح، لأنا قد بينا أن معنى الآية: إن يسألكم جميع أموالكم; والزكاة لا تنافي ذلك .
قوله تعالى: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله يعني ما فرض عليكم في أمولكم فمنكم من يبخل بما فرض عليه من الزكاة ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه أي: على نفسه بما ينفعها في الآخرة والله الغني عنكم وعن أموالكم وأنتم الفقراء إليه وإلى ما عنده من الخير والرحمة وإن تتولوا عن طاعته يستبدل قوما غيركم أطوع له منكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل خيرا منكم . وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال .
أحدها: أنهم العجم، قاله وفيه حديث يرويه الحسن . قال: أبو هريرة "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم" كان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إذا تولينا استبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم [يده] على منكب سلمان فقال: "هذا وقومه، والذي نفسي بيده، لو أن الدين معلق بالثريا لتناوله رجال من سلمان، فارس" . والثاني: لما نزلت فارس والروم، قاله [ ص: 416 ] والثالث: من يشاء من جميع الناس، قاله عكرمة . والرابع: يأتي بخلق جديد غيركم، وهو معنى قول مجاهد . والخامس: قتادة . كندة والنخع، قاله والسادس: أهل ابن السائب . اليمن، قاله راشد بن سعد، وعبد الرحمن بن جبير، وشريح بن عبيد . والسابع: الأنصار، قاله والثامن: أنهم الملائكة، حكاه مقاتل . وقال: فيه بعد [لأنه] لا يقال للملائكة "قوم"، إنما يقال ذلك [ ص: 417 ] للآدميين; قال: وقد قيل: إن تولى أهل الزجاج مكة استبدل الله بهم أهل المدينة، وهذا [معنى] ما ذكرنا عن مقاتل .