وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون . [ ص: 311 ] ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون . وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين .
قوله تعالى: وقالوا لولا أي: هلا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أما القريتان، فمكة والطائف، قاله والجماعة; وأما عظيم ابن عباس، مكة، ففيه قولان .
أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه وغيره عن العوفي [وبه قال ابن عباس، قتادة، والسدي] .
والثاني: عتبة بن ربيعة، قاله مجاهد .
وفي عظيم الطائف خمسة أقوال .
أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه عن العوفي ابن عباس .
والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه عن الضحاك ابن عباس .
والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه عن ليث وبه قال مجاهد، قتادة .
والرابع: [أنه] ابن عبد ياليل، رواه عن ابن أبي نجيح مجاهد .
والخامس: كنانة بن عبد [بن] عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي .
[ ص: 312 ] فقال الله عز وجل ردا عليهم وإنكارا: أهم يقسمون رحمت ربك يعني النبوة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا .
نحن قسمنا بينهم معيشتهم المعنى أنه إذا كانت الأرزاق بقدر الله، لا بحول المحتال -وهو دون النبوة- فكيف تكون النبوة؟! قال إنك لتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان قد بسط له الرزق، وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه . قتادة:
قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فيه قولان: أحدهما: بالغنى والفقر . والثاني: بالحرية والرق ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: "سخريا" بكسر السين . ثم فيه قولان .
أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فيلتئم قوام العالم، وهذا على القول الأول .
والثاني: ليملك بعضهم بعضا بالأموال فيتخذونهم عبيدا، وهذا على الثاني .
[ ص: 313 ] قوله تعالى: ورحمت ربك فيها قولان . أحدهما: النبوة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله والثاني: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا، قاله ابن عباس . السدي .
قوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة فيه قولان . أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله والثاني: على إيثار الدنيا على الدين، قاله ابن عباس . ابن زيد .
قوله تعالى: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة لهوان الدنيا عندنا . قال إن شئت جعلت اللام في "لبيوتهم" مكررة، كقوله: الفراء: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [البقرة: 217]، وإن شئت جعلتها بمعنى "على"، كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم، تقول للرجل: جعلت لك لقومك الأعطية، أي: جعلتها من أجلك لهم .
قرأ ابن كثير، ونافع، : "سقفا" على التوحيد . وقرأ الباقون: :سقفا" بضم السين والقاف جميعا . وأبو عمرو
قال : والسقف واحد يدل على الجمع; فالمعنى: جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة الزجاج ومعارج وهي الدرج; والمعنى: وجعلنا معارج [ ص: 314 ] من فضة، وكذلك "ولبيوتهم أبوابا" أي: من فضة "وسررا" أي: من فضة .
قوله تعالى: عليها يظهرون قال : أي: يعلون، يقال: ظهرت على البيت: إذا علوت سطحه . ابن قتيبة
قوله تعالى: وزخرفا وهو الذهب; والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا المعنى: لمتاع الحياة الدنيا، و "ما" زائدة وقرأ عاصم، "لما" بالتشديد، فجعلاه بمعنى "إلا"; والمعنى: إن ذلك يتمتع به قليلا ثم يزول وحمزة والآخرة عند ربك للمتقين خاصة لهم .