وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين .
قوله تعالى: وجعلوا الملائكة قال : الجعل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به . قال المفسرون: وجعلهم الملائكة إناثا قولهم: هن بنات الله . الزجاج
[ ص: 307 ] قوله تعالى: الذين هم عباد الرحمن قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، عن وأبان عاصم، والشيزري عن "عند الرحمن" بنون من غير ألف وقرأ الباقون: "عباد الرحمن"، ومعنى هذه القراءة: جعلوا له من عباده بنات . والقراءة الأولى موافقة لقوله: الكسائي: إن الذين عند ربك [الأعراف: 206]، وإذا كانوا في السماء كان أبعد للعلم بحالهم . أشهدوا خلقهم؟ قرأ نافع، والمفضل عن "أأشهدوا" بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة . وروى عاصم: المسيبي عن "أو شهدوا" ممدودة من أشهدت، والباقون لا يمدون . نافع:
"أشهدوا" من شهدت، أي: أحضروه فعرفوا أنهم إناث؟! وهذا توبيخ لهم إذ قالوا فيما يعلم بالمشاهدة من غير مشاهدة . ستكتب شهادتهم على الملائكة أنها بنات الله وقال لما قال الله عز وجل: مقاتل: "أشهدوا خلقهم؟"، سئلوا عن ذلك فقالوا: [لا]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فما يدريكم أنها إناث؟" فقالوا: سمعنا من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله: ستكتب شهادتهم ويسألون عنها في الآخرة . وقرأ أبو رزين، "سنكتب" بنون مفتوحة "شهادتهم" بنصب التاء، ووافقهم ومجاهد: في "سنكتب" وقرأ: "شهاداتهم" بألف . ابن أبي عبلة
قوله تعالى: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم في المكني عنهم قولان . أحدهما: أنهم الملائكة، قاله ، قتادة في آخرين . والثاني: الأوثان، قاله ومقاتل وإنما عنوا بهذا أنه لو لم يرض عبادتنا لها لعجل عقوبتنا، فرد عليهم قولهم بقوله: مجاهد . ما لهم بذلك من علم . وبعض المفسرين يقول: إنما أشار بقوله: [ ص: 308 ] "ما لهم بذلك من علم" إلى ادعائهم أن الملائكة إناث; قال: ولم يتعرض لقولهم: "لو شاء الرحمن ما عبدناهم" لأنه قول صحيح; والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام: 148]، وقوله: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه [يس: 470] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك . و "يخرصون" بمعنى: يكذبون . وإنما كذبهم، لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينا .
أم آتيناهم كتابا من قبله أي: من قبل هذا القرآن، أي: بأن يعبدوا غير الله فهم به مستمسكون يأخذون بما فيه .
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي: على سنة وملة ودين وإنا على آثارهم مهتدون فجعلوا أنفسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حجة; ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: وكذلك أي: وكما قالوا قال مترفو القرى من قبلهم، وإنا على آثارهم مقتدون بهم .
( قل أولو جئتكم ) وقرأ ابن عامر، وحفص عن "قال أولو جئتكم" [بألف] . قال عاصم: أبو علي: فاعل "قال" النذير، المعنى: فقال لهم النذير . وقرأ "أولو جئناكم" بألف ونون أبو جعفر: بأهدى أي: بأصوب وأرشد .
[ ص: 309 ] قال : ومعنى الكلام: قل: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إبطال القول بالتقليد . قال الزجاج فردوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: مقاتل: إنا بما أرسلتم به كافرون ; ثم رجع إلى الأمم الخالية، فقال: فانتقمنا منهم . . . الآية .