[ ص: 314 ] سورة لقمان
وهي مكية في قول الأكثرين . وروي عن أنه قال: هي مكية سوى آيتين منها نزلتا عطاء بالمدينة، وهما قوله تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والتي بعدها [لقمان: 27، 28]; وروي عن أنه قال: إلا آية نزلت الحسن بالمدينة، وهي قوله: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة [لقمان: 4]، لأن الصلاة والزكاة مدنيتان .
بسم الله الرحمن الرحيم
1 الم . تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين . الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين [ ص: 315 ] وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم . خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد . وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .
قوله تعالى: هدى ورحمة وقرأ وحده: " ورحمة " بالرفع . قال حمزة القراءة بالنصب على الحال; والمعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة; ويجوز الرفع على إضمار " هو هدى ورحمة " وعلى معنى: " تلك هدى ورحمة " . وقد سبق تفسير مفتتح هذه السورة [البقرة: 1-5] إلى قوله: الزجاج: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنية . وقال ابن عباس: نزلت في مجاهد: . وقال شراء القيان والمغنيات ابن السائب نزلت في ومقاتل: النضر بن الحارث، وذلك أنه كان [ ص: 316 ] تاجرا إلى فارس، فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول لهم: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية .
وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال .
أحدها: [أنه] الغناء . كان يقول: هو الغناء والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات; وبهذا قال ابن مسعود ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وروى وقتادة . عن ابن أبي نجيح قال: اللهو: الطبل . مجاهد،
والثاني: أنه ما ألهى عن الله، قاله وعنه مثل القول الأول . الحسن،
والثالث : أنه الشرك، قاله الضحاك .
والرابع : الباطل، قاله عطاء .
وفي معنى يشتري قولان .
أحدهما: يشتري بماله; وحديث النضر يعضده . والثاني: يختار ويستحب، قاله قتادة، ومطر .
[ ص: 317 ] وإنما قيل لهذه الأشياء: لهو الحديث، لأنها تلهي عن ذكر الله .
قوله تعالى: ليضل المعنى: ليصير أمره إلى الضلال . وقد بينا هذا الحرف في (الحج: 9) .
وقرأ أبو رزين، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش، " ليضل " بضم الياء، والمعنى: ليضل غيره، وإذا أضل غيره فقد ضل هو أيضا . وأبو جعفر:
قوله تعالى: ويتخذها قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو وابن عامر، عن وأبو بكر " ويتخذها " برفع الذال . وقرأ عاصم: حمزة، والكسائي، وحفص عن بنصب الذال قال عاصم: أبو علي: من نصب عطف على " ليضل " " ويتخذ " ومن رفع عطفه على " من يشتري " " ويتخذ " .
وفي المشار إليه بقوله: ويتخذها قولان .
أحدهما: أنها الآيات، والثاني: السبيل .
وما بعد هذا مفسر في مواضع قد تقدمت [الإسراء: 46، الأنعام: 25، البقرة: 25، الرعد: 2، النحل: 15، الشعراء: 7]، إلى قوله: ولقد آتينا لقمان الحكمة وفيها قولان . أحدهما: الفهم والعقل، قاله الأكثرون . والثاني: النبوة . وقد اختلف في نبوته على قولين .
أحدهما: أنه كان حكيما ولم يكن نبيا، قاله سعيد بن المسيب، ومجاهد، وقتادة
والثاني: أنه كان نبيا، قاله الشعبي، وعكرمة، هكذا حكاه [ ص: 318 ] عنهم والسدي . ولا يعرف، إلا أن هذا مما تفرد به الواحدي، والقول الأول أصح . عكرمة;
وفي صناعته ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه كان خياطا، قاله والثاني: راعيا، قاله سعيد بن المسيب . ابن زيد . والثالث: نجارا، قاله خالد الربعي .
فأما صفته، فقال كان عبدا حبشيا . وقال ابن عباس: كان سعيد بن المسيب: لقمان أسود من سودان مصر . وقال كان غليظ الشفتين مشقق القدمين، وكان قاضيا على بني إسرائيل . مجاهد:
قوله تعالى: أن اشكر لله المعنى: وقلنا له: أن اشكر لله [على] ما أعطاك من الحكمة ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه أي: إنما يفعل لنفسه ومن كفر النعمة، فإن الله لغني عن عبادة خلقه .