تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا . بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا [ ص: 75 ] مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا
ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيرا مما قالوا في الدنيا ، وهو قوله : خيرا من ذلك يعني : لو شئت لأعطيتك في الدنيا خيرا مما قالوا ، لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة . ويجعل لك قصورا قرأ ، ابن كثير ، وابن عامر عن وأبو بكر : " ويجعل لك قصورا " برفع اللام . وقرأ عاصم ، أبو عمرو ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي وحفص عن : " ويجعل " بجزم اللام . فمن قرأ بالجزم ، كان المعنى : إن يشأ يجعل لك جنات ويجعل [لك] قصورا . ومن رفع ، فعلى الاستثناء [المعنى] : ويجعل لك قصورا في الآخرة . وقد سبق معنى " أعتدنا " [النساء : 37] ومعنى " السعير " [النساء:10] . عاصم
قوله تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد قال عن أشياخه : من مسيرة مائة عام . السدي
فإن قيل : السعير مذكر ، فكيف قال : " إذا رأتهم " ؟
فالجواب : أنه أراد بالسعير النار .
قوله تعالى: سمعوا لها تغيظا فيه قولان .
أحدهما : غليان تغيظ ، قاله . قال المفسرون : والمعنى أنها تتغيظ عليهم ، فيسمعون صوت تغيظها وزفيرها كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ . الزجاج
والثاني : يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم ، حكاه . ابن قتيبة
قوله تعالى: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا قال المفسرون : تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح ، وهم قد قرنوا مع الشياطين ، والثبور : الهلكة . وقرأ عاصم الجحدري ، وابن السميفع : " ثبورا " بفتح الثاء .
[ ص: 76 ] قوله تعالى: وادعوا ثبورا كثيرا قال : الثبور مصدر ، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد ، كما تقول ضربته ضربا كثيرا ، والمعنى : هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة وروى الزجاج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنس بن مالك لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا . أول من يكسى من أهل النار يوم القيامة إبليس ، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته خلفه وهو يقول : وا ثبوراه ، وهم ينادون : يا ثبورهم ، حتى يقفوا على النار ، فينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم ، فيقول الله عز وجل :