قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول " الآية ، قال المفسرون : سبب نزولها أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى [ النجم : 19 ، 20 ] ، فألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى ، فلما سمعت قريش بذلك فرحوا ، فأتاه جبريل فقال : ماذا صنعت ؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، فنزلت هذه الآية تطييبا لقلبه ، وإعلاما له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا . قال العلماء المحققون : وهذا لا يصح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم عن مثل هذا ، ولو صح كان المعنى : أن بعض شياطين الإنس قال تلك الكلمات ، فإنهم كانوا إذا تلا لغطوا ، كما قال الله عز وجل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة ( النجم ) قرأها حتى بلغ قوله : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [ فصلت : 26 ] . قال : وفي معنى " تمنى " قولان :
أحدهما : تلا ، قاله الأكثرون ، وأنشدوا : [ ص: 442 ]
تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر :
تمنى كتاب الله آخر ليله تمني داود الزبور على رسل
والثاني : أنه من الأمنية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنى يوما أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومه ، فألقى الشيطان على لسانه لما كان قد تمناه ، قاله . محمد بن كعب القرظي
قوله تعالى : " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " ; أي : يبطله ويذهبه . " ثم يحكم الله آياته " قال : يحكمها من الباطل . مقاتل
قوله تعالى : " ليجعل " اللام متعلقة بقوله : " ألقى الشيطان " ، والفتنة هاهنا بمعنى : البلية والمحنة . والمرض : الشك والنفاق . " والقاسية قلوبهم " يعني : الجافية عن الإيمان . ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم ، والشقاق : غاية العداوة .
قوله تعالى : " وليعلم الذين أوتوا العلم " وهو التوحيد والقرآن ، وهم المؤمنون . وقال : التصديق بنسخ الله . السدي
قوله تعالى : " أنه الحق " إشارة إلى نسخ ما يلقي الشيطان ، فالمعنى : ليعلموا أن نسخ ذلك وإبطاله حق من الله ، " فيؤمنوا " بالنسخ ، " فتخبت له قلوبهم " ; أي : تخضع وتذل . ثم بين بباقي الآية أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف الله وهدايته . [ ص: 444 ]
قوله تعالى : " في مرية منه " ; أي : في شك .
وفي هاء " منه " أربعة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إلى قوله : تلك الغرانيق العلا . والثاني : أنها ترجع إلى سجوده في سورة ( النجم ) . والقولان عن ، فيكون المعنى : إنهم يقولون : ما باله ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها . والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله سعيد بن جبير . والرابع : أنها ترجع إلى الدين ، حكاه ابن جريج . الثعلبي
قوله تعالى : " حتى تأتيهم الساعة " وفيها قولان :
أحدهما : القيامة تأتي من تقوم عليه من المشركين ، قاله . الحسن
والثاني : ساعة موتهم ، ذكره . الواحدي
قوله تعالى : " أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " فيه قولان :
أحدهما أنه يوم بدر ، روي عن ، ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . والسدي
والثاني : أنه يوم القيامة ، قاله عكرمة . وأصل العقم في الولادة ، يقال : امرأة عقيم : لا تلد ، ورجل عقيم : لا يولد له ، وأنشدوا : والضحاك
عقم النساء فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم
وسميت الريح العقيم بهذا الاسم ; لأنها لا تأتي بالسحاب الممطر ، فقيل لهذا اليوم : عقيم ; لأنه لم يأت بخير .
فعلى قول من قال : هو يوم بدر ، في تسميته بالعقيم ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه لم يكن فيه للكفار بركة ولا خير ، قاله . الضحاك
والثاني : لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل ، بل قتلوا قبل المساء ، قاله . ابن جريج
والثالث : لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه ، قاله . يحيى بن سلام
وعلى قول من قال : هو يوم القيامة ، في تسميته بذلك قولان :
أحدهما : لأنه لا ليلة له ، قاله . عكرمة
والثاني : لأنه لا يأتي المشركين بخير ولا فرج ، ذكره بعض المفسرين .