ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنـزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا .
قوله تعالى: " فاسأل بني إسرائيل " قرأ الجمهور: ( فاسأل ) على معنى الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما أمر أن يسأل من آمن منهم عما أخبر [ به ] عنهم، ليكون حجة [ ص: 94 ] على من لم يؤمن منهم . وقرأ ( فسأل بني إسرائيل )، [ على معنى ] الخبر عن ابن عباس: موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، " فقال له فرعون إني لأظنك " ; أي: لأحسبك، " يا موسى مسحورا " وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مخدوعا، قاله والثاني: مسحورا قد سحرت، قاله ابن عباس . والثالث: ساحرا، فوضع مفعولا في موضع فاعل، هذا مروي عن ابن السائب . الفراء فقال وأبي عبيدة . موسى: " لقد علمت " قرأ الجمهور بفتح التاء . وقرأ علي عليه السلام بضمها، وقال: والله ما علم عدو الله، ولكن موسى هو الذي علم، فبلغ ذلك فاحتج بقوله تعالى: ابن عباس، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [ النمل: 14 ] . واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام، وقد رويت عن ابن عباس، وأبي رزين، وسعيد بن جبير، واحتج من نصرها بأنه لما نسب وابن يعمر . موسى إلى أنه مسحور، أعلمه بصحة عقله بقوله: " لقد علمت " ، والقراءة الأولى أصح لاختيار الجمهور، ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه، فلم يرد عليه إلا بالتعلل والمدافعة، فكأنه قال: لقد علمت بالدليل والحجة " ما أنزل هؤلاء " يعني: الآيات . وقد شرحنا معنى " البصائر " في ( الأعراف: 203 ) .
قوله تعالى: " وإني لأظنك " قال أكثر المفسرين: الظن هاهنا بمعنى العلم، على خلاف ظن فرعون في موسى، وسوى بينهما بعضهم، فجعل الأول بمعنى العلم أيضا .
وفي المثبور ستة أقوال:
أحدها: أنه الملعون، رواه عن أبو صالح وبه قال ابن عباس، والثاني: المغلوب، رواه الضحاك . عن العوفي والثالث: الناقص العقل، رواه [ ص: 95 ] ابن عباس . عن ميمون بن مهران والرابع: المهلك، رواه ابن عباس . ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس، أبو عبيدة قال وابن قتيبة . يقال: ثبر الرجل، فهو مثبور: إذا أهلك . والخامس: الهالك، قاله الزجاج: والسادس: الممنوع من الخير، تقول مجاهد . العرب: ما ثبرك عن هذا ; أي: ما منعك، قاله الفراء .
قوله تعالى: " فأراد أن يستفزهم من الأرض " يعني: فرعون أراد أن يستفز بني إسرائيل من أرض مصر . وفي معنى " يستفزهم " قولان:
أحدهما: يستأصلهم، قاله ابن عباس .
والثاني: يستخفهم حتى يخرجوا، قاله وقال ابن قتيبة . جائز أن يكون استفزازهم إخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية . قال العلماء: وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لما خرج الزجاج: موسى فطلبه فرعون، هلك فرعون وملك موسى، وكذلك أظهر الله نبيه بعد خروجه من مكة حتى رجع إليها ظاهرا عليها .
قوله تعالى: " وقلنا من بعده " ; أي: من بعد هلاك فرعون لبني إسرائيل اسكنوا الأرض " وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: فلسطين والأردن، قاله والثاني: أرض وراء ابن عباس . الصين، قاله والثالث: أرض مقاتل . مصر والشام .
قوله تعالى: " فإذا جاء وعد الآخرة " يعني: القيامة، " جئنا بكم لفيفا " ; أي: جميعا، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقال وابن قتيبة . لفيفا ; أي: من هاهنا ومن هاهنا . وقال الفراء: اللفيف: الجماعات من قبائل شتى . [ ص: 96 ] الزجاج: