قوله تعالى: " ومن يهد الله فهو المهتدي " قرأ نافع بالياء في الوصل، وحذفاها في الوقف . وأثبتها وأبو عمرو يعقوب في الوقف، وحذفها الأكثرون في [ ص: 90 ] الحالتين . " من يهد الله " قال من يرد الله هداه " ابن عباس: فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه " يهدونهم .
قوله تعالى: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يمشيهم على وجوههم، وشاهده ما روى البخاري في " صحيحيهما " من حديث ومسلم أنس بن مالك، " . أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال: " إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة
والثاني: أن المعنى: ونحشرهم مسحوبين على وجوههم، قاله ابن عباس .
والثالث: نحشرهم مسرعين مبادرين، فعبر بقوله: " على وجوههم " عن الإسراع، كما تقول العرب: قد مر القوم على وجوههم: إذا أسرعوا، قاله ابن الأنباري .
قوله تعالى: " عميا وبكما وصما " فيه قولان:
أحدهما: عميا لا يرون شيئا يسرهم، وبكما لا ينطقون بحجة، وصما لا يسمعون شيئا يسرهم، قاله وقال في رواية: عميا عن النظر إلى ما جعل لأوليائه، وبكما عن مخاطبة الله، وصما عما مدح به أولياءه، وهذا قول الأكثرين . ابن عباس .
والثاني: أن هذا الحشر في بعض أحوال القيامة بعد الحشر الأول . قال هذا يكون حين يقال لهم: مقاتل: اخسئوا فيها [ المؤمنون: 108 ]، فيصيرون عميا بكما صما، لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك .
قوله تعالى: " كلما خبت " قال أي: سكنت . قال المفسرون: وذلك أنها تأكلهم، فإذا لم تبق منهم شيئا وصاروا فحما ولم تجد شيئا تأكله، [ ص: 91 ] سكنت، فيعادون خلقا جديدا، فتعود لهم . وقال ابن عباس: يقال: خبت النار: إذا سكن لهبها، فاللهب يسكن، والجمر يعمل، فإن سكن اللهب، ولم يطفإ الجمر، قيل: خمدت تخمد خمودا، فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: همدت تهمد همودا . ومعنى " ابن قتيبة: زدناهم سعيرا " : نارا تتسعر ; أي: تتلهب . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ الإسراء: 49 ] إلى قوله: " قادر على أن يخلق مثلهم " ; أي: على أن يخلقهم مرة ثانية، وأراد بـ " مثلهم " إياهم، وذلك أن مثل الشيء مساو له، فجاز أن يعبر به عن نفس الشيء، يقال: مثلك لا يفعل هذا ; أي: أنت، ومثله قوله: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به [ البقرة: 137 ] . وقد تم الكلام عند قوله: " مثلهم " ، ثم قال: " وجعل لهم أجلا لا ريب فيه " يعني: أجل البعث، " فأبى الظالمون إلا كفورا " ; أي: جحودا بذلك الأجل .
قوله تعالى: " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي " قال المعنى: لو تملكون أنتم، قال الزجاج: المتلمس:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي نصبت لهم فوق العرانين ميسما
المعنى: لو أراد غير أخوالي .
وفي هذه الخزائن قولان:
أحدهما: خزائن الأرزاق . والثاني: خزائن النعم، فيخرج في الرحمة قولان: أحدهما: الرزق . والثاني: النعمة . وتحرير الكلام: لو ملكتم ما يملكه الله عز وجل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفاقة . " وكان الإنسان " يعني: الكافر، " قتورا " ; أي: بخيلا ممسكا، يقال: قتر يقتر، وقتر يقتر: إذا قصر في الإنفاق . وقال لو ملك أحد من المخلوقين من خزائن الله تعالى، لما جاد [ ص: 92 ] كجود الله تعالى لأمرين: أحدهما: أنها لا بد أن يمسك منه لنفقته ومنفعته . والثاني: أنه يخاف الفقر، والله تعالى منزه في جوده عن الحالين . الماوردي:
ثم إن الله تعالى ذكر إنكار فرعون آيات موسى، تشبيها بحال هؤلاء المشركين، فقال: " ولقد آتينا موسى تسع آيات " وفيها قولان:
أحدهما: أنها بمعنى المعجزات والدلالات، ثم اتفق جمهور المفسرين على سبع آيات منها، وهي: يده، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، واختلفوا في الآيتين الآخرتين على ثمانية أقوال: أحدها: أنهما لسانه والبحر الذي فلق له، رواه عن العوفي يعني بلسانه: أنه كان فيه عقدة فحلها الله تعالى له . والثاني: البحر والجبل الذي نتق فوقهم، رواه ابن عباس، عن الضحاك والثالث: السنون ونقص الثمرات، رواه ابن عباس . عن عكرمة وبه قال ابن عباس، مجاهد، والشعبي، وعكرمة، وقال وقتادة، السنون ونقص الثمرات آية واحدة . والرابع: البحر والموت أرسل عليهم، قاله الحسن: الحسن والخامس: الحجر والبحر، قاله ووهب . والسادس: لسانه وإلقاء العصا مرتين عند سعيد بن جبير . فرعون، قاله والسابع: البحر والسنون، قاله الضحاك . والثامن: ذكره [ محمد بن كعب . عن ] محمد بن إسحاق أيضا، فذكر السبع الآيات الأولى، إلا أنه جعل مكان يده البحر، وزاد الطمسة والحجر، يعني قوله: محمد بن كعب اطمس على أموالهم [ يونس: 88 ] .
والثاني: أنها آيات الكتاب، روى من حديث أبو داود السجستاني صفوان بن عسال، أن يهوديا قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي، فقال الآخر: لا تقل: إنه نبي، فإنه لو سمع ذلك، صارت له أربعة أعين ; فأتياه، فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال: " لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، [ ص: 93 ] ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا بالبريء إلى السلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت " ، قال: فقبلا يده، وقالا: نشهد أنك نبي .