قوله تعالى : " وامرأته قائمة " واسمها سارة . واختلفوا أين كانت قائمة على ثلاثة أقوال :
أحدها : وراء الستر تسمع كلامهم ، قاله . وهب
والثاني : كانت قائمة تخدمهم ، قاله ، مجاهد . والسدي
والثالث : كانت قائمة تصلي ، قاله . محمد بن إسحاق
[ ص: 130 ] وفي قوله : " فضحكت " ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب ، قاله عن أبو صالح . ابن عباس
والثاني : أن معنى " ضحكت " : حاضت ، قاله ، مجاهد . قال وعكرمة : وهذا من قولهم : ضحكت الأرنب : إذا حاضت فعلى هذا ، يكون حيضها حينئذ تأكيدا للبشارة بالولد ، لأن ابن قتيبة . وقال من لا تحيض لا تحمل : لم نسمع من ثقة أن معنى " ضحكت " حاضت . قال الفراء : أنكر ابن الأنباري ، الفراء ، وأبو عبيدة ، أن يكون " ضحكت " بمعنى حاضت ، وعرفه غيرهم . قال الشاعر : وأبو عبيد
تضحك الضبع لقتلى هذيل وترى الذئب لها يستهل
قال بعض أهل اللغة : معناه : تحيض .
والثالث : أنه الضحك المعروف ، وهو قول الأكثرين .
وفي سبب ضحكها ستة أقوال :
أحدها : أنها ضحكت من شدة خوف إبراهيم من أضيافه ، وقالت : من ماذا يخاف إبراهيم ، وإنما هم ثلاثة ، وهو في أهله وغلمانه ؟ رواه عن الضحاك ، وبه قال ابن عباس . مقاتل
والثاني : أنها ضحكت من بشارة الملائكة لإبراهيم بالولد ، وهذا مروي عن أيضا ، ابن عباس ; فعلى هذا ، إنما ضحكت سرورا بالبشارة ، ويكون في الآية تقديم وتأخير ، المعنى : وامرأته قائمة فبشرناها فضحكت ، وهو اختيار ووهب بن منبه . ابن قتيبة
[ ص: 131 ] والثالث : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم ، قاله . قتادة
والرابع : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل ، وقالت : عجبا لأضيافنا ، نخدمهم بأنفسنا ، وهم لا يأكلون طعامنا ! قاله . السدي
والخامس : ضحكت سرورا بالأمن ، لأنها خافت كخوف إبراهيم ، قاله . الفراء
والسادس : أنها كانت قالت لإبراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا ، فإنه سينزل العذاب بقومه ، فلما جاءت الملائكة بعذابهم ، ضحكت سرورا بموافقتها للصواب ، ذكره . ابن الأنباري
قال المفسرون : قال جبريل لسارة : أبشري أيتها الضاحكة بولد اسمه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، فبشروها أنها تلد إسحاق ، وأنها تعيش إلى أن ترى ولد الولد .
وفي معنى الوراء قولان :
أحدهما : أنه بمعنى " بعد " ، قاله عن أبو صالح ، واختاره ابن عباس ، مقاتل وابن قتيبة .
والثاني : أن الوراء : ولد الولد ، روي عن أيضا ، وبه قال ابن عباس ، واختاره الشعبي . أبو عبيدة
فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء إسحاق وهو ولده لصلبه ، وإنما الوراء : ولد الولد ؟ فقد أجاب عنه ، فقال : المعنى : ومن وراء المنسوب إلى ابن الأنباري إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق ، أم إلى [ ص: 132 ] إسماعيل ؟ فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس . قال : ويجوز أن ينسب ولد إبراهيم من غير إسحاق إلى سارة على المجاز ، فكان تأويل الآية : من الوراء المنسوب إلى سارة ، وإلى إبراهيم من جهة إسحاق ، يعقوب . ومن حمل الوراء على " بعد " لزم ظاهر العربية .
واختلف القراء في " يعقوب " ، فقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي عن وأبو بكر : " يعقوب " بالرفع . وقرأ عاصم ، ابن عامر ، وحمزة وحفص عن : " يعقوب " بالنصب . عاصم
قال : وفي رفع " يعقوب " وجهان : الزجاج
أحدهما : على الابتداء المؤخر ، معناه التقديم ; والمعنى : ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق .
والثاني : وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب .
ومن نصبه ، حمله على المعنى ، والمعنى : وهبنا لها إسحاق ، ووهبنا لها يعقوب .
قوله تعالى : " يا ويلتى أألد وأنا عجوز " هذه الكلمة تقال عند الإيذان بورود الأمر العظيم . ولم ترد بها الدعاء على نفسها ، وإنما هي كلمة تخف على ألسنة النساء عند الأمر العجيب . وقولها " أألد " استفهام تعجب . قال : و " شيخا " منصوب على الحال . قال الزجاج : إنما أشارت بقولها هذا لتنبه على شيخوخته . ابن الأنباري
واختلفوا في سن إبراهيم وسارة يومئذ على أربعة أقوال :
أحدها : أنه كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة ، وسارة بنت ثمان وتسعين سنة ، قاله عن أبو صالح . ابن عباس
والثاني : أنه كان إبراهيم ابن مائة سنة ، وسارة بنت تسع وتسعين ، قاله . مجاهد
[ ص: 133 ] والثالث : كان إبراهيم ابن تسعين ، وسارة مثله ، قاله . قتادة
والرابع : كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، وسارة بنت تسعين ، قاله ، عبيد بن عمير . وابن إسحاق