فأما قراءة الأخوين فالهاء عندهما للسكت فلذلك حذفاها وصلا إذ محلها الوقف، وأثبتاها وقفا إتباعا لرسم المصحف، وأما من أثبتها ساكنة فتحتمل عنده وجهين أحدهما: هي هاء سكت، ولكنها ثبتت وصلا إجراء للوصل مجرى الوقف كقوله: لم يتسنه وانظر في أحد الأقوال كما تقدم . [ ص: 32 ] والثاني: أنها ضمير المصدر سكنت وصلا إجراء للوصل أيضا مجرى الوقف نحو: نؤته و فألقه و أرجه و نوله و ونصله .
واختلف في المصدر الذي تعود عليه هذه الهاء فقيل: الهدى أي: اقتد الهدى، والمعنى: اقتد اقتداء الهدى، ويجوز أن يكون "الهدى" مفعولا من أجله أي: فبهداهم اقتد لأجل الهدى، وقيل: الاقتداء أي: اقتد الاقتداء. ومن إضمار المصدر قوله:
1978 - هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
أي: يدرس الدرس، ولا يجوز أن تكون الهاء ضمير القرآن، لأن الفعل قد تعدى له، وإنما زيدت اللام تقوية له حيث تقدم معموله ولذلك جعل النحاة نصب "زيدا" من "زيدا ضربته" بفعل مقدر خلافا وقال للفراء. إنها ضمير المصدر المؤكد النائب عن الفعل، وإن الأصل: اقتد اقتد، ثم جعل المصدر بدلا من الفعل الثاني ثم أضمر فاتصل بالأول. ابن الأنباري:
وأما قراءة فالظاهر فيها أنها ضمير وحركت بالكسر من غير وصل، وهو الذي يسميه القراء الاختلاس تارة، وبالصلة وهو المسمى إشباعا أخرى كما قرئ: "أرجه" ونحوه، وإذا تقرر هذا فقول ابن عامر عن [ ص: 33 ] ابن مجاهد "يشم الهاء [الكسر] من غير بلوغ ياء، وهذا غلط; لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرب في حال من الأحوال أي لا تحرك وإنما تدخل لتبين بها حركة ما قبلها"، ليس بجيد لما قررت لك من أنها ضمير المصدر. وقد رد ابن عامر: قول الفارسي بما تقدم. والوجه الثاني: أنها هاء سكت أجريت مجرى هاء الضمير، كما أجريت هاء الضمير مجراها في السكون، وهذا ليس بجيد، ويروى قول ابن مجاهد المتنبي:
1979 - واحر قلباه ممن قلبه شبم . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السكت شبهت بهاء الضمير فحركت والأحسن أن تجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبهها بالضمير، لأن هاء الضمير لا تكسر بعد الألف فكيف بما يشبهها؟
والاقتداء في الأصل: طلب الموافقة، قاله ويقال: قدوة [وقدو، وأصله من القدو] وهو أصل البناء الذي يتشعب منه تصريف الاقتداء. و "بهداهم" متعلق بـ "اقتد" . وجعل الليث. تقديمه مفيدا للاختصاص على قاعدته. والهاء في "عليه" تعود على القرآن أو التبليغ، أضمرا وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة السياق عليهما. و "إن" نافية ولا عمل لها على المشهور، ولو كانت عاملة لبطل عملها بـ "إلا" . و "للعالمين" متعلق بـ "ذكرى" واللام معدية، أي: إن القرآن إلا تذكير العالمين. ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف على أنها صفة لـ "ذكرى" . [ ص: 34 ] الزمخشري