قوله: بعذاب بئيس قرأ نافع وأبو جعفر وشيبة: "بيس" بياء ساكنة. بهمزة ساكنة، وفيهما أربعة أوجه، أحدها: أن هذا في الأصل فعل ماض سمي به فأعرب كقوله عليه السلام: وابن عامر بالإعراب والحكاية، وكذا قولهم: "مذ شب إلى دب" و "مذ شب إلى دب" فلما نقل إلى الاسمية صار وصفا كـ نضو ونقض. والثاني: أنه وصف وضع على فعل كحلف. الثالث: أن أصله بئيس كالقراءة المشهورة، فخفف الهمزة، فالتقت ياءان ثم كسر الباء إتباعا كرغيف وشهيد، فاستثقل توالي ياءين بعد كسرة، فحذفت الياء المكسورة فصار اللفظ بئس، وهو تخريج "أنهاكم عن قيل وقال" الرابع: أن أصله "بئس" بزنة كتف ثم أتبعت الباء للهمزة في الكسر، ثم سكنت الهمزة ثم أبدلت ياء. وأما قراءة الكسائي. فتحتمل أن تكون فعلا منقولا، وأن تكون وصفا كحلف. ابن عامر
وقرأ عن أبو بكر "بيئس" بياء ساكنة بين باء وهمزة مفتوحتين وهو صفة على فيعل كضيغم وصيرف وهي كثيرة في الأوصاف . وقال عاصم امرؤ القيس بن عابس الكندي:
2320 - كلاهما كان رئيسا بيئسا يضرب في يوم الهياج القونسا
[ ص: 497 ] وقرأ باقي السبعة بئيس بزنة رئيس. وفيه وجهان، أحدهما: أنه وصف على فعيل كشديد وهو للمبالغة وأصله فاعل. والثاني: أنه مصدر وصف به أي: بعذاب ذي بأس بئيس، مصدر: مثل النذير والنكير والعذير، ومثل ذلك في احتمال الوجهين قول أبي الإصبع العدواني: 2321 - حنقا علي ولا أرى لي منهما شرا بئيسا
وهي أيضا قراءة علي وأبي رجاء.
وقرأ يعقوب القارئ: بئس بوزن شهد، وقرأها أيضا عيسى بن عمر وقرأ وزيد بن علي. نصر بن عاصم: بأس بوزن ضرب فعلا ماضيا.
وقرأ الأعمش بأس فعلا ماضيا، وأصله بئس بكسر الهمزة فسكنها تخفيفا كشهد في قوله: ومالك بن دينار:
2322 - لو شهد عاد في زمان تبع
وقرأ وأهل ابن كثير مكة: بئس بكسر الباء والهمز همزا خفيفا، ولم يبين: هل الهمزة مكسورة أو ساكنة؟
وقرأ طلحة عن وخارجة بيس بفتح الباء وسكون الياء مثل كيل وأصله بيئس مثل: ضيغم فخفف الهمزة بقلبها ياء وإدغام الياء فيها، ثم خففه بالحذف كميت في ميت. [ ص: 498 ] وقرأ نافع عيسى بن عمر والأعمش في رواية: بيئس كقراءة وعاصم أبي بكر عنه إلا أنه كسر الهمزة. وهذه قد ردها الناس لأن فيعلا بكسر العين في المعتل، كما أن فيعلا بفتحها في الصحيح كسيد وضيغم. على أنه قد شذ: صيقل بالكسر، وعيل بالفتح.
وقرأ نصر في رواية عنه "بأس" بفتح الباء والهمزة وجر السين بزنة جبل. مالك بن دينار
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي "بئس" مثل كبد وحذر قال وطلحة بن مصرف عبيد الله بن قيس:
2323 - ليتني ألقى رقية في خلوة من غير ما بئس
وقرأ نصر بن عاصم في رواية "بيس" بتشديد الياء كميت، وفيها تخريجان، أحدهما: أنها من البؤس ولا أصل لها في الهمز، والأصل: بيوس كميوت ففعل به ما فعل به. والثاني: أن أصله الهمزة فأبدلها ياء ثم أدغم الباء في الياء.
وقرأ أيضا في رواية "بأس" بهمزة مشددة، قالوا: قلب الياء همزة وأدغمها في مثلها ماضيا كشمر.
وطائفة أخرى: "بأس" كالتي قبلها إلا أن الهمزة خفيفة.
وطائفة: "باس" بألف صريحة بين الباء والسين المجرورة.
وقرأ أهل المدينة: "بئيس" كرئيس، إلا أنهم كسروا الباء، وهذه لغة [ ص: 499 ] تميم في فعيل الحلقي العين نحو: بعير وشعير وشهيد سواء أكان اسما أم صفة.
وقرأ الحسن "بئيس" بياء مكسورة ثم همزة ساكنة ثم ياء مفتوحة بزنة حذيم وعثير. والأعمش:
وقرأ بئس بكسر الباء وسكون الهمزة وفتح السين، جعلها التي للذم في نحو: بئس الرجل زيد، ورويت عن الحسن: أبي بكر.
وقرأ أيضا كذلك إلا أنه بياء صريحة، وتخريجها كالتي قبلها وهي مروية عن الحسن وقد رد نافع. هذه القراءة والتي قبلها بأنه لا يقال: "مررت برجل بئس" حتى يقال: بئس الرجل، أو بئس رجلا. قال أبو حاتم وهذا مردود يعني قول النحاس: أبي حاتم حكى النحويون: "إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت"، أي: ونعمت الخصلة، والتقدير: بئس العذاب. قلت: معذور في [رد] القراءة فإن الفاعل ظاهرا غير مذكور والفاعل عمدة لا يجوز حذفه، ولكن قد ورد في الحديث: أبو حاتم ففاعل "نعمت" هنا مضمر يفسره سياق الكلام. قال الشيخ: فهذه اثنتان وعشرون قراءة، وضبطها بالتلخيص أنها قرئت ثلاثية اللفظ ورباعيته: فالثلاثي اسما: بيس، [ ص: 500 ] بئس، بيس، باس، بأس، بئس، بئس. "من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"،
وفعلا: بئس، بيس، بئس، بأس، بأس، بيس. والرباعية اسما: بيئس، بيئس، بيئس، بيس، بئيس. بئيس، بئيس. وفعلا: بأس.
قلت: وقد زاد أربع قراءات أخر: بيس بباء مفتوحة وياء مكسورة. قال: وأصلها همزة مكسورة فأبدلت ياء، وبيس بفتحهما، قال: وأصلها ياء ساكنة وهمزة مفتوحة، إلا أن حركة الهمزة ألقيت على الياء وحذفت، ولم تقلب الياء ألفا لأن حركتها عارضة. وبأيس بفتح الباء وسكون الهمزة وفتح الياء، قال: "وهو بعيد إذ ليس في الكلام فعيل". وقرئ بيآس على فيعال وهو غريب. فهذه ست وعشرون قراءة في هذه اللفظة، وقد حررت ألفاظها وتوجيهاتها بحمد الله تعالى. أبو البقاء