ولما سلاه - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبرته من أقوالهم بما شرح صدره وسر خاطره ، وأعلمه تخفيفا عليه أن أمرهم إنما هو بيده ، ذكره بعض كلامهم الآئل إلى التكذيب عقب إخباره بالحشر الذي يجازي فيه كلا بما يفعل - فقال عطفا على قوله : وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وقوله وقالوا لولا أنـزل عليه ملك يعجب منه تعجيبا آخر : وقالوا أي : مغالطة أو عنادا أو مكابرة لولا أي : هلا نـزل [ ص: 103 ] أي : بالتدريج عليه أي : خاصة آية أي : واحدة تكون ثابتة بالتدريج لا تنقطع ، وهذا منهم إشارة إلى أنهم لا يعدون القرآن آية ولا شيئا مما رأوه منه - صلى الله عليه وسلم - من غير ذلك نحو انشقاق القمر من ربه أي : المحسن إليه على حس ما يدعيه لنستدل بها على ما يقول من التوحيد والبعث .
ولما كان في هذا - كما تقدم - إشارة منهم إلى أنه لم يأت بآية على هذه الصفة إما مكابرة وإما مغالطة ، أمره بالجواب بقوله : قل إن الله أي : الذي له جميع الأمر قادر على أن وأشار بتشديد الفعل إلى آية القرآن المتكررة عليهم كل حين تدعوهم إلى المبارزة وتتحداهم بالمبالغة والمعاجزة ، فقال : ينـزل وقراءة بالتخفيف مشيرة إلى أنهم بلغوا في الوقاحة الغاية ، وأنهم لو قالوا : لولا أنزل ، أي : مرة واحدة لكان أخف في الوقاحة ، [أو إلى أنه أنزل عليهم أي آية ، كانت تلجئهم وتضطرهم إليه في آن واحد ، كما قال تعالى : ابن كثير إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ولكنه لا يسأل ذلك إلا بالتدريج كما يشير إليه] صيغة التفعيل في قراءة غيره المذكرة [ ص: 104 ] بأن آية القرآن لا تنقضي ، بل كلما سمعها أحد منهم أو من غيرهم طول الدهر كانت منزلة عليه لكونها واصلة إليه ، فهو أبلغ من مطلوبهم آية ينزل عليه وحده ، والحاصل أنهم طلبوا آية باقية محضة ، فلوح لهم إلى آية هي - مع كونها خاصة به فيما حصل له من الشرف - عامة لكل من بلغته ، باقية طول المدى آية أي : مما اقترحوه ومن غيره ، لا يعجزه شيء ، وفي كل شيء له من الآيات ما يعجز الوصف ، وكفى بالقرآن العظيم مثالا لذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون أي : ليس فيهم قابلية العلم ، فهم لا يتفكرون في شيء من ذلك الذي يحدثه من مصنوعاته ليدلهم على أنه على كل شيء قدير ، فلا فائدة لهم في إنزال ما طلبوه ، وأما غير الأكثر فهو - سبحانه - يردهم بآية القرآن أو غيرها مما لم يقترحوه .