ولما ذكر امتناعهم؛ ومنعهم من المحاسن التي لا أطيب منها؛ ولا أشرف؛ أتبعه إقدامهم على قبائح دنية؛ فيها ظلمهم للخلق؛ فقال: وأخذهم الربا ؛ أي: وهو قبيح في نفسه؛ مزر بصاحبه؛ وقد ؛ أي: والحال أنهم قد؛ نهوا عنه ؛ فضموا إلى مخالفة الطبع السليم؛ الاجتراء على انتهاك حرمة الله العظيم. [ ص: 501 ] ولما ذكر الربا؛ أتبعه ما هو أعم منه؛ فقال: وأكلهم أموال الناس بالباطل ؛ أي: سواء كانت ربا؛ أو رشوة؛ أو غيرهما; ولما ذكر بعض ما عذبهم به في الدنيا؛ أتبعه جزاءهم في الآخرة؛ فقال - عاطفا على قوله "حرمنا" -: وأعتدنا للكافرين ؛ أي: الذين صار الكفر لهم صفة راسخة؛ فماتوا عليه; ولما علم أن منهم من يؤمن؛ فيدخل الجنة؛ قال: منهم ؛ ولما كان الجزاء من جنس العمل؛ قال: عذابا أليما ؛ أي: بسبب ما آلموا الناس؛ بأكل أموالهم؛ وتغطيتهم على حقوقهم من الفضائل؛ والفواضل.
ذكر وغيره من أنواع الباطل؛ بنص التوراة؛ قال في السفر الثاني - بعد ما قدمته في "البقرة"؛ من تحريم المال بالربا؛ -: (وإن أسلفت ورقك للمسكين الذي معك من شعبي؛ فلا تكونن له كالغريم؛ ولا تأخذن منه ربا); وقال في الثالث: (وإن افتقر أخوك واستعان بك فلا تتركه بمنزلة الغريب الساكن معك؛ بل وسع عليه؛ وإياك أن تأخذ منه ربا أو عينة؛ لا تقرضه بالعينة); وقال في الخامس: (ولا تطعموا بيت الله ربكم أجر زانية؛ ولا ثمن كلب؛ ولا تأخذوا من إخوتكم ربا؛ في فضة؛ ولا في طعام؛ ولا في شيء مما تعانونه؛ [ ص: 502 ] وأما الغريب فخذوا منه إن أحببتم). الأمر بالإحسان إلى الناس؛ والنهي عن أذاهم
فقد ثبت من توراتهم النهي عن الربا؛ وأما تخصيصه بالغريب فتبديل منهم بلا ريب؛ بدليل ما قدمته عنها في "البقرة"؛ عند قوله (تعالى): إن الذين آمنوا والذين هادوا ؛ من النهي عن غدر العدو؛ وعند قوله (تعالى): لا تعبدون إلا الله ؛ من الإحسان إلى عامة الناس؛ لا سيما الغريب؛ والله الموفق.