ولما آذن حرف الاستعلاء في الشهادة بأنه لا خير لهم في واحدة من الدارين؛ وبأن التقدير: "فبظلمهم"؛ سبب عنه قوله - دلالة على أن التوراة نزلت منجمة -: فبظلم ؛ أي: عظيم جدا؛ راسخ؛ ثابت؛ وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق؛ وما عطف [ ص: 500 ] عليه مما استحلوه بعد أن حرمته التوراة؛ وقال - مشيرا إلى زيادة تبكيتهم -: من الذين هادوا ؛ أي: تلبسوا باليهودية في الماضي؛ ادعاء أنهم من أهل التوراة؛ والرجوع إلى الحق؛ ولم يضمر؛ تعيينا لهم؛ زيادة في تقريعهم؛ حرمنا عليهم طيبات أحلت ؛ أي: كان وقع إحلالها في التوراة؛ لهم ؛ كالشحوم التي ذكرها الله (تعالى) في الأنعام.
ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته؛ وبدأها بإعراضهم عن الدين الحق؛ فقال - معيدا للعامل؛ تأكيدا له -: وبصدهم عن سبيل الله ؛ أي: الذي لا أوضح منه؛ ولا أسهل؛ ولا أعظم؛ لكون الذي نهجه له من العظمة؛ والحكمة؛ ما لا يدرك؛ و"صد"؛ يجوز أن يكون قاصرا؛ فيكون كثيرا ؛ صفة مصدر محذوف؛ وأن يكون متعديا؛ فيكون مفعولا به؛ أي: وصدهم كثيرا من الناس؛ بالإضلال عن الطريق؛ فمنعوا مستلذات تلك المآكل؛ بما منعوا أنفسهم وغيرهم من لذاذة الإيمان.