ولما كان ذلك مقتضيا لأعظم السخط المقتضي من القادر للمعاجلة بالأخذ ذكرهم نعمة الإمهال بعده فقال مشيرا إلى عظم الذنب والنعمة بأداة التراخي : ثم عفونا . وقال : ثم تجاوز الخطاب ما أصابهم من العقوبة على اتخاذهم إلى ذكر العفو تقريرا على تكرر [ ص: 367 ] تلافيهم حالا بعد حال وقتا بعد وقت ، كلما أحدثوا خطيئة تداركهم منه عفو ، وخصه باسم العفو لما ذكر ذنوبهم ، لأن المغفور له لا يذكر ذنبه ، فإن العفو رفع العقوبة دون رفع ذكرها ، والغفر إماتة ذكر الذنب مع رفع العقوبة . انتهى . الحرالي عنكم ولم نعاجلكم بالأخذ ، وفي قوله تعالى : من بعد ذلك أي الذنب العظيم إشعار بما أصابهم من العقوبة وخطاب لبقية المعفو عنهم ، لينتهي الأمر فيهم إلى غاية يترجى معها لبقيتهم الشكر - قاله . وكان الإشعار من جهة إدخال " من " على الظرفية ، فاقتضى مهلة بين العفو والذنب لم يشملها العفو بل كان فيها عقوبة ، كما اقتضى قوله : " من بعده " مهلة بين اتخاذهم العجل وأول ذهاب الحرالي موسى عليه السلام للمناجاة ؛ ويجوز أن يكون أفرد حرف الخطاب إشارة إلى أنه لا يعلم جميع ما في دينهم من الشناعة إلا إمام أهل التوحيد النبي صلى الله عليه وسلم لعلكم تشكرون أي [ ص: 368 ] ليكون حالكم حال من يتوقع منه الشكر .
قال : وهو ظهور بركة الباطن على الظاهر ، يقال : دابة شكور ، إذا أنجح مأكلها بظهور سمنها ؛ وفيه إشعار بأن منهم من يشكر وفيهم من يتمادى بما في ترجي كلمة " لعل " من الإبهام المشعر بالقسمين والمهيئ لإمكان ظهور الفريقين حتى يظهر ذلك لميقاته ، لأن كل ما كان في حق الخلق ترددا فهو من الله سبحانه إبهام لمعلومه فيهم ؛ على ذلك تجري كلمة لعل وعسى ونحوها . انتهى .
الحرالي