ولما كانت جهنم لا تأتي بنفسها لأنها لو أتت بنفسها لربما ظن أنها خارجة عن القدرة بل تقودها الملائكة، فكلما عالجوها ذهابا وإيابا حصل للناس من ذلك من الهول ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكان المهول نفس المجيء بها لا تعيين الفاعلين، لذلك بني للمفعول قوله: وجيء أي بأسهل أمر يومئذ أي إذ وقع ما ذكر بجهنم أي النار التي تتجهم من يصلاها، روي ، وهو كقوله تعالى: أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك وبرزت الجحيم لمن يرى وأبدل من "إذا" توضيحا لطول الفصل وتهويلا قوله: يومئذ أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين.
ولما قدم هذه الأمور الجليلة والقوارع المهولة اهتماما [بها] [ ص: 40 ] وتنبيها على أنها، لما لها من عظيم الموعظة، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال: يتذكر الإنسان أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما [كان] ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خسارا، لا زاد بحبها شيئا لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئا كما كتب له أو بذلها، وإذا تذكر ذلك هان عليه البذل، وليست تلك الدار دار العمل، فلذلك قال: وأنى أي كيف ومن أي وجه له الذكرى أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه، فلا ينفعه أصلا بوجه من الوجوه لفوات دار العمل، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام.