ولما أرشد السياق إلى أن التقدير: أفهذا الذي جاء يسلبنا عبيدنا بني إسرائيل خير عندكم مني؟ نسق عليه قوله: أم أنا خير مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء، ونقل ابن الجوزي وغيره من المفسرين عن وأستاذه سيبويه أنها معادلة لتقريرهم بالإبصار، فكأنه قال: أفلا تبصرون ما ذكرتكم به فترون لعدم إبصاركم أنه خير مني أم أنا خير منه لأنكم لا تبصرون، وكان هو أحق بهذه النصيحة منهم فإنه أراهم الطريق الواضحة إلى الضلال والموصلة إليه من غير مشقة ولا تعب بقوله: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء، فيكون ذلك احتباكا تقديره: أفلا تبصرون ما [ ص: 448 ] نبهتكم عليه، فذكر الإبصار أولا دليلا على حذف مثلها ثانيا والخيرية ثانيا دليلا على حذف مثلها أولا، وحقر من عظمة الآتي له بتلك الآيات صلى الله عليه وسلم لئلا يسرع الناس إلى اتباعه لأن آياته - لكونها من عند الله - كالشمس بهجة وعلوا وشهرة فقال: الخليل من هذا فكنى بإشارة القريب عن تحقيره، ثم وصفه بما يبين مراده فقال: الذي هو مهين أي ضعيف حقير قليل ذليل، لأنه يتعاطى أموره بنفسه، وليس له ملك ولا قوة يجري بها نهرا ولا ينفذ بها أمرا ولا يكاد يبين أي لا يقرب من أن يعرب عن معنى من المعاني لما في لسانه من الحبسة فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان يستجلب القلوب ويدهش الألباب فيكثر أتباعه ويضخم أمره، وقد كذب في جميع قوله، فقد كان موسى عليه الصلاة والسلام أبلغ أهل زمانه قولا وفعلا بتقدير الله الذي أرسله له وأمره إياه ولكن الخبيث أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلا لأتباعه لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما دعا بإزالة حبسته بل بعقدة منها.