ولما أخبر عن طعنهم في القرآن أتبعه الإخبار عن طعنهم فيمن جاء به تغطية لأمره عملا بأخبارهم في ختام ما قبلها عن أنفسهم بالكفر زيادة وإمعانا فيما كانت النعم أدتهم إليه من البطر فقال: وقالوا لما قهرهم ما ذكروا به مما يعرفونه من أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النبوة والرسالة، وكذا من بعده من أولاده فلم يتهيأ لهم قول من له أمر عظيم في التصرف في الكون والتحكم على الملك الذي [ ص: 420 ] لا يسأل عما يفعل، فأنكروا التخصيص بما أتوا به من التخصيص في قولهم: الإصرار على العناد بإنكار أن يكون النبي من البشر لولا أي هل لا ولولا.
ولما كان إنزال القرآن نجوما على حسب التدريج، عبروا بما يوافق ذلك فقالوا: نـزل أي من المنزل الذي ذكره محمد صلى الله عليه وسلم وعينوا مرادهم ونفوا اللبس فقالوا بقسر وغلظة كلمة على من يطلبهم لإصلاح حالهم هذا القرآن أي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وادعى أنه جامع لكل خير، ففيه إشارة إلى التحقير على رجل من القريتين أي مكة والطائف، ولم يقل: إحدى - اغتناء عنها بوحدة رجل عظيم أي بما به عندهم من العظمة والجاه والمال والسن ونحو ذلك وهم عالمون أن شأن الملك إنما هو إرسال من يرتضونه لا من يقترحه الرعية، ويعلمون أن للملك المرسل له صلى الله عليه وسلم الغنى المطلق لكنهم جهلوا - مع أنه هو الذي أفاض المال والجاه - أنه ندب إلى الزهد فيهما والتخلي عنهما، وأنه لا يقرب إليه إلا إخلاص الإقبال عليه الناشئ عن طهارة الروح وذكاء الأخلاق وكمال الشمائل والتحلي بسائر الفضائل والتخلي عن جميع الرذائل، فقد [ ص: 421 ] جعلوا لإفراطهم في الجهل الحالة البهيمية شرطا للوصول إلى الحالة الملكية المضادة لها بكل اعتبار.