ولما كان إنزال الماء من العلو في غاية العجب لا سيما إذا كان في وقت دون وقت، وكان إنبات النبات به أعجب، وكان دالا على البعث ولا بد، وكان مقصود السورة أنه لا بد من ردهم عن عنادهم بأعظم الكفران إلى الإيمان، والخضوع له بغاية الإذعان، قال دالا على كمال القدرة على ذلك وغيره بالتنبيه على كمال الوصف بالعطف وبإعادة الموصول الدال على الفاعل المذكر بعظمته للتنبيه على أن الإعادة التي هذا دليلها هي سر الوجود، فهي أشرف مما أريد من الآية الماضية بمهد الأرض وسلك السبل: والذي نـزل أي بحسب التدريج، ولولا قدرته الباهرة لكان دفعة واحدة أو قريبا منها من السماء أي المحل العالي ماء عذبا لزروعكم وثماركم وشربكم بأنفسكم وأنعامكم بقدر وهو بحيث ينفع الناس ولا يضر بأن يكون على مقدار حاجاتهم، ودل على عظمة الإنبات بلفت القول إلى مظهر العظمة تنبيها على أنه الدليل الظاهر على ما وصل به من نشر الأموات فقال مسببا عن ذلك: فأنشرنا أي أحيينا، والمادة تدور على الحركة والامتداد [ ص: 392 ] والانبساط به أي الماء بلدة أي مكانا يجتمع الناس فيه للإقامة معتنون بإحيائه متعاونون على دوام إبقائه ميتا أي كان قد يبس نباته وعجز أهله عن إيصال الماء إليه ليحيى به، ولعله أنث البلد وذكر الميت إشارة إلى أن بلوغها في الضعف والموت بلغ الغاية بضعف أرضه في نفسها وضعف أهله عن إحيائه وقحط الزمان واضمحلال ما كان به من النبات.
ولما كان لا فرق بين جمع الماء للنبات من أعماق الأرض بعد أن كان ترابا من جملة ترابها وإخراجه كما كان رابيا يهتز بالحياة على هيئته وألوانه وما كان من تفاريعه أغصانه بأمر الله وبين جميع الله تعالى لما تفتت من أجساد الآدميين وإخراجه كما كان بروحه وجميع جواهره وأعراضه إلا أن الله قادر بكل اعتبار وفي كل وقت بلا شرط أصلا، والماء لا قدرة له إلا بتقدير الله تعالى، كان فخرا عظيما لأن تنتهز الفرصة لتقدير ما هم له منكرون وبه يكفرون من أمر فقال تعالى إيقاظا لهم من رقدتهم بعثا من موت سكرتهم: البعث، كذلك أي مثل هذا الإخراج العظيم لما تشاهدونه من النبات تخرجون من الموت الحسي والمعنوي بأيسر أمر من أمره تعالى وأسهل شأن [ ص: 393 ] فتخرجون في زمرة الأموات من الأرض ثانيا إذا أنتم بشر تنتشرون وتخرجون من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان فإذا أنتم حكماء عالمون.