[ ص: 321 ] ولما نبه بهذا الاعتراض بين الجزاء ومعطوفه على ما فيه من دقائق المعاني في جلائل المباني، قال مكملا لما في ذلك من الترغيب في صورة الترهيب: أو أي أو إن يشاء في كل وقت أراده، وأسند الإيباق إلى الجواري تأكيدا لإرادة العموم في هلاك الركاب فقال: يوبقهن أي يهلكهن بالإغراق بإرسال الريح وغير ذلك من التباريح حتى كأنهن بعد ذلك العلو في وقبه أي حفره، وطاق في الماء وقعره، وقد تقدم تحقيق معنى "وبق" بجميع تقاليبه في سورة الكهف، ومنه أن وبق كوعد ووجل وورث وبوقا وموبقا: هلك، والموبق كمجلس: المهلك وكل شيء حال بين شيئين لأن الوقبة تحول بين ما فيها وبين غيره، ومنه قيل للموعد: موبق، وأوبقه: حبسه أو أهلكه.
ولما كان الإهلاك لهن إهلاكا للركاب، قال مبينا أنهم المقصودون مجردا الفعل إشارة إلى أن ابن آدم لما طبع عليه من النقائص [ ص: 322 ] ليس له من نفسه فعل خال عن شوب نقص حثا له على اللجوء إلى الله في تهذيب نفسه وإخلاص فعله: بما كسبوا أي فعلوا من المعاصي بجدهم فيه واجتهادهم.
ولما كان التقدير تفصيلا للإيباق: فيغرق كل من فيهن إن شاء ويغرق كثيرا منهم إن شاء عطف عليه قوله: ويعف أي إن يشاء عن كثير أي من الناس الذين في هذه السفن الموبقة، فينجيهم بعوم أو حمل على خشبة أو غير ذلك، وإن يشأ يرسل الريح طيبة فينجيها ويبلغها أقصى المراد إلى غير ذلك من التقادير الداخلة تحت المشيئة، فالفعل كما ترى عطف على يوبق، وعطف بالواو لأنه قسم من حالي الموبقة، وهو بمعنى ما ورى عن أهل المدينة من نصب "يعفو" بتقدير "إن" ليكون المعنى: يوقع إيباقا وعفوا.