ولما ذكر إنزال الرزق على هذا المنوال، وكان من الناس ممن خذله الإضلال من يقول: إنما الناس فيه من المطر والنبات [ ص: 310 ] وإخراج الأقوات إنما هو عادة الدهر بين أنه سبحانه هو الفاعل لذلك بقدرته واختياره بما هو كالشمس من أنه قد يحبس المطر عن إبانه وإعادته في وقته وأوانه، حتى ييأس الناس منه ثم ينزله إن شاء، فقال معبرا بالضمير الذي هو غيب لأجل أن إنزال الغيث من مفاتيح الغيب: وهو أي لا غيره قادر على ذلك فإنه هو الذي ينـزل الغيث أي المطر الذي يغاث به الناس أي يجابون إلى ما سألوا ويغاثون ظاهرا كما ينزل الوحي الذي يغاثون به ظاهرا وباطنا.
ولما كان الإنزال لا يستغرق زمان القنوط، أدخل الجار فقال: من بعد ما قنطوا أي يئسوا من إنزاله وعلموا أنه لا يقدر على إنزاله غيره، ولا يقصد فيه سواه، ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وينشره - هكذا كان الأصل ولكنه لما بين أنه غيث قال بيانا لأنه رحمة، وتعميما لأثره من النبات وغيره: وينشر رحمته أي على السهل والجبل فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما يملأ الأرض [ ص: 311 ] بحيث لو اجتمع عليه الخلائق ما أطاقوا حمله، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار، ونبات ونجم وأشجار، وحب وثمار، وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار، فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجما هو في لينه ألين من الحرير، وفي لطافته ألطف من النسيم، ومن سوق الأشجار التي تنثني فيها المناقير أغصانا ألطف من ألسنة العصافير، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور، أو يحيد من ذلك بنوع من الغرور.
ولما أنكر عليهم فيما مضى اتخاذ ولي من دونه بقوله تعالى أم اتخذوا من دونه أولياء وأثبت أنه هو الولي، وتعرف إليهم بآثاره التي حوت أفأنين أنواره، وكانت كلها في غاية الكمال موجبة للحمد المتواتر المنوال، قال: وهو أي وحده لا غيره الولي أي الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشياء الحميد أي الذي استحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل [ ص: 312 ] حبله دائما بحبله.