ثم بين سفولهم بقوله لافتا القول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه فقال: من دون الله أي: المحيط بجميع العز وكل العظمة، لتطلبوا منهم تخليصكم مما أنتم فيه أو تخفيفه: قالوا أي: مسترسلين مع الفطرة وهي الفطرة الأولى على الصدق: ضلوا عنا فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا.
ولما رأوا أن صدقهم قد أوجب اعترافهم بالشرك، دعتهم رداءة المكر ورذالة الطباع إلى الكذب، فاسترسلوا معها فبادروا إلى أن أظهروا الغلظ فقالوا ملبسين على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ظانين أن ذلك ينفعهم كما كان ينفعهم عند المؤمنين في دار الدنيا: بل لم نكن ندعو أي: لم يكن ذلك في طباعنا. ولما كان مرادهم نفي دعائهم أصلا ورأسا في لحظة فما فوقها، لا النفي المقيد بالاستغراق، فإنه لا ينفي ما دونه، أثبتوا الجار فقالوا: من قبل أي: قبل هذه [ ص: 117 ] الإعادة شيئا لنكون قد أشركنا به، فلا يقدرهم الله إلا على ما يزيد في ضرهم ويضاعف ندمهم ويوجب [لعن] أنفسهم ولعن بعضهم [بعضا] بحيث لا يزالون في ندم كما كان حالهم في الدنيا انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون فالآية من الاحتباك: ذكر الإشراك أولا دليلا على نفيهم له ثانيا، والدعاء ثانيا دليلا على تقديره أولا.
ولما كان هذا في غاية الإعجاب من ضلالهم، كان كأنه قيل: هل يضل أحد من الخلق ضلال هؤلاء، فأجيب بقوله: كذلك أي: نعم مثل هذا الضلال البعيد عن الصواب يضل الله أي: المحيط علما وقدرة، عن القصد النافع من حجة وغيرها الكافرين أي: الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا يتجلى فيها ثم صار لهم ذلك ديدنا.