ولما كان حاصل ما مضى من هذا القص الذي هو أحلى من الشراب، وأغلى من الجوهر المنظم في أعناق الكواعب الأتراب، لأنه سبحانه نصر الرسل على أممهم حين هموا بأخذهم، فلم يصلوا إليهم ثم أهلكهم الله هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فعذبهم أشد العذاب، وكذلك نصر موسى عليه السلام والمؤمن الذي دافع عنه، وكان نصر [ ص: 87 ] أهل الله قاطبة خفيا، لأنهم يبتلون ثم يكون لهم العاقبة، فكان أكثر الجامدين وهم أكثر الناس يظن أنه لا نصرة لهم، قال الله تعالى لافتا القول إلى مظهر العظمة، لأن النصرة عنها تكون على سبيل الاستنتاج مما مضى مؤكدا تنبيها للأغبياء على ما يخفى عليهم: إنا أي: بما لنا من العظمة لننصر رسلنا أي: على من ناوأهم والذين آمنوا أي: اتسموا بهذا الوصف وإن كانوا في أدنى رتبة.
ولما كانت الحياة تروق وتحلو بالنصرة وتتكدر بضدها، ذكرها لذلك ولئلا يتوهم لو سقطت أن نصرتهم تكون رتبتها دنية فقال: في الحياة الدنيا بإلزامهم طريق الهدى الكفيلة بكل فوز وبالحجة والغلبة، وإن غلبوا في بعض الأحيان فإن العاقبة تكون لهم، ولو بأن يقيض سبحانه لأعدائهم من يقتص منهم ولو بعد حين، وأقل ذلك أن لا يتمكن أعداؤهم من كل ما يريدون منهم ويوم يقوم الأشهاد أي: في الدار الآخرة من الملائكة والنبيين وسائر المقربين، جمع شهيد كشريف وأشراف، إشارة إلى [أن] شهادتهم بليغة في بابها، لما لهم من الحضور التام، وإلى ذلك يشير تذكير الفعل والتعبير بجمع القلة، ولكن الجياد قليل مع أنهم بالنسبة إلى أهل الموقف كالشعرة [ ص: 88 ] البيضاء في جلد الثور الأسود ، وإنما عبر بذلك إشارة إلى تجلي الحكم العدل بصفات الجبروت للقسط، فيرفع أولياءه بكل اعتبار، ويهين أعداءهم كل إهانة.