ولما أتم الذين آمنوا، فتشوفت النفس إلى معرفة ما لأضدادهم، قال مستأنفا مؤكدا لإنكارهم هذه المناداة بإنكار يومها: إن الذين كفروا أي أوقعوا الكفر ولو لحظة ينادون أي يوم القيامة بنداء يناديهم به من أراد الله من جنوده أو في الدار أرفع نعما - أنهم آثر عند الله من فقراء المؤمنين، أكد قوله: لمقت الله أي الملك الأعظم إياكم بخذلانكم أكبر من مقتكم وقوله: أنفسكم مثل قوله تعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم جاز على سبيل الإشارة إلى تنزه الحضرة المقدسة عما لزم فعلهم من المقت، فإن من دعا إلى أحد فأعرض عنه إلى غيره كان إعراضه مقتا للمعرض عنه، وهذا المقت منهم الموجب لمقت الله لهم موصل لهم إلى عذاب يمقتون به أنفسهم، والمقت أشد البغض; ثم ذكر ظرف مقتهم العائد وباله عليهم بقوله: " إذا " أي حين، وأشار إلى أن الإيمان لظهور دلائله ينبغي أن يقبل من أي داع كان، فبنى الفعل لما لم يسم فاعله فقال: تدعون إلى الإيمان أي بالله وما جاء من عنده فتكفرون أي فتوقعون الكفر الذي هو تغطية الآيات موضع إظهارها والإذعان بها، [ ص: 18 ] وهذا أعظم العقاب عند أولي الألباب، لأن من علم أن مولاه عليه غضبان علم أنه لا ينفعه بكاء ولا يغني عنه شفاعة ولا حيلة في خلاصه بوجه.