ولما كان للإنسان عند وقوع الخسران أقوال وأحوال؛ لو تخيلها قبل هجومه لحسب حسابه؛ فباعد أسبابه؛ علل الإقبال على الاتباع بغاية الجهد والنزاع؛ فقال: أن ؛ أي: كراهة أن تقول ؛ ولما كان الموقع للإنسان في النقصان إنما هو حظوظه وشهواته المخالفة لعقله؛ عبر بقوله: نفس ؛ أي: عند وقوع العذاب لها؛ وإفرادها وتنكيرها كاف في الوعيد؛ لأن كل أحد يجوز أن يكون هو المراد؛ يا حسرتا ؛ و"التحسر": الاغتمام على ما فات؛ والتندم عليه؛ وألحق الألف بدلا من الياء؛ [ ص: 538 ] تعظيما له؛ أي: يا طول غماه؛ لانكشاف ما فيه صلاحي عني؛ وبعده مني؛ فلا وصول لي إليه لاستدراك ما فات منه؛ وذلك عند انكشاف أحوالها؛ وحلول أوجالها وأهوالها؛ ودل على تجاوز هذا التحسر الحد قراءة : "حسرتاي"؛ بالجمع بين العوض؛ وهو الألف؛ والمعوض عنه؛ وهو الياء؛ وحل المصدر؛ لأن ما حل إليه أصرح في الإسناد؛ وأفخم؛ وأدل على المراد؛ وأعظم؛ فقال: أبي جعفر على ما فرطت ؛ أي: بما ضيعت؛ فانفرط مني نظامه؛ وتعذر انضمامه والتئامه.
ولما كان حق كل أحد قريبا منه؛ حسا أو معنى؛ حتى كأنه إلى جنبه؛ وكان بالجنب قوام الشيء؛ ولكنه قد يفرط فيه؛ لكونه منحرفا عن الوجاه والعيان؛ فيدل التفريط فيه على نسبة المفرط لصاحبه إلى الغفلة عنه؛ وذلك أمر لا يغفر؛ قال: في جنب ؛ وصرف القول إلى الاسم الأعظم؛ لزيادة التهويل؛ بقوله: الله ؛ أي: حق الملك الأعظم؛ الذي هو غير مغفول عنه؛ ولا متهاون به.
ولما كان المضرور المعذب المقهور يبالغ في الاعتراف؛ رجاء [ ص: 539 ] القبول والانصراف؛ قال - مؤكدا؛ مبالغة في الإعلام بالإقلاع عما كان يقتضيه حاله؛ ويصرح به مقاله؛ من أنه على الحق؛ وأجد الجد -: وإن ؛ أي: والحال أني كنت ؛ أي: كان ذلك في طبعي؛ لمن الساخرين ؛ أي: المستهزئين المتكبرين؛ المنزلين أنفسهم في غير منزلتها؛ وذلك أنه ما كفاني المعصية حتى كنت أسخر من أهل الطاعة؛ أي: تقول هذا لعله يقيل منها؛ ويعفي عنها؛ على عادة المترققين في وقت الشدائد؛ لعلهم يعادون إلى أجمل العوائد.