ولما أمر برؤية الأمور كلها من الله؛ وإسلام القياد كله إليه؛ أمر بما هو أعلى من ذلك؛ وهو المجاهدة بقتل النفس؛ فقال: واتبعوا ؛ أي: عالجوا أنفسكم؛ وكلفوها أن تتبع أحسن ما أنـزل ؛ واصلا؛ إليكم ؛ على سبيل العدل؛ كالإحسان الذي هو أعلى من العفو؛ الذي هو فوق الانتقام؛ باتباع هذا القرآن؛ الذي هو أحسن ما نزل من كتب الله؛ وباتباع أحاسن ما فيه؛ فتصل من قطعك؛ وتعطي من حرمك؛ وتحسن إلى من ظلمك؛ هذا في حق الخلائق؛ ومثله في عبادة الخالق بأن تكون "كأنك تراه"؛ الذي هو أعلى من استحضار "إنه يراك"؛ الذي هو أعلى من أدائها مع الغفلة عن ذلك. [ ص: 537 ] ولما كان هذا شديدا على النفس؛ رغب فيه بقوله - مظهرا صفة الإحسان موضع الإضمار -: من ربكم ؛ أي: الذي لم يزل يحسن إليكم؛ وأنتم تبارزونه بالعظائم؛ ولما كان من النفوس ما هو كالبهائم؛ لا ينقاد إلا بالضرب؛ قال - منبها أيضا علة رفقه؛ بإثبات الجار -: من قبل أن يأتيكم ؛ أي: على ما بكم من العجز عن الدفاع؛ العذاب ؛ أي: الأمر الذي يزيل ما يعذب ويحلو لكم في الدنيا؛ أو في الآخرة.
ولما كان الأخذ على غرة أصعب على النفوس؛ قال: بغتة ؛ ولما كان الإنسان قد يشعر بالشيء مرة؛ ثم ينساه فيباغته؛ نفى ذلك بقوله: وأنتم لا تشعرون ؛ أي: ليس عندكم شعور بإتيانه؛ لا في حال إتيانه؛ ولا قبله؛ بوجه من الوجوه؛ لفرط غفلتكم؛ ليكون أفظع ما يكون على النفس؛ لشدة مخالفته لما هو مستقر فيها؛ وهي متوطنة عليه من ضده.