[ ص: 432 ] ولما لم يبق بعد هذا إلا خبر الرسل مع لوط عليه الصلاة والسلام ، قال عاطفا على ما تقديره : ثم فارقوه ومضوا إلى المدينة التي فيها لوط عليه السلام ، مفهما بالعدول عن الفاء إلى الواو أن بين المكانين بعدا : ولما وأثبت [ما صورته صورة] الحرف المصدري لما اقتضاه مقصود السورة ، وأكثر سياقاتها بين التسليك في مقام الامتحان والاجتهاد في النهي عن المنكر ، [ولذا ذكر هنا في قصة إبراهيم عليه السلام القتل والإحراق ، وأتبعت بشراه بإهلاك القرية الظالمة ، ] فقال : أن جاءت رسلنا أي : المعظمون بنا لوطا بيانا لأنه سيء أي : حصلت له المساءة بهم أول أوقات مجيئهم إليه وحين قدومهم عليه ، فاجأته المساءة من غير ريب لما رأى من حسن أشكالهم ، وخاف من تعرض قومه لهم ، وهو يظن أنهم من الناس ، وذلك أن ["أن"] في مثل هذا صلة [وإن كان أصلها المصدر] لتؤكد وجود الفعلين مرتبا وجود أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما [ ص: 433 ] [فإنهما وجدا] في جزء واحد من الزمان ، [قال في المغني ما معناه أن علة ذلك أن الزائد يؤكد معنى ما جيء به لتأكيده ، ولما تقيد وقوع الفعل الثاني عقيب الأول وترتبه عليه فالحرف الزائد يؤكد ذلك]. ابن هشام
وضاق بهم أي : بأعمال الحيلة في الدفع عنهم ذرعا أي : ذرعة طاقتهم كما بين وأشبع القول فيه في سورة هود عليه السلام ، والأصل في ذلك أن من طالت ذراعه نال ما لا يناله قصيرها ، فضرب مثلا في العجز والقدرة ، وذلك أنهم أتوه في صورة مردان ملاح جدا ، وقد علم أمر أهل القرية في [مثل] ذلك ولم يعلم أنهم رسل الله.
ولما كان التقدير : فقالوا له : يا لوط! إنا رسل ربك ، فخفض عليك من هذا الضيق الذي نراه بك فإنا ما أرسلنا إلا لإهلاكهم ، عطف عليه قوله : وقالوا أي : لما رأوا ما لقي في أمرهم : لا تخف [أي : ] من أن يصلوا إلينا [أو] من أن تهلك أنت أو أحد من أهل طاعتك ولا تحزن أي : على أحد ممن نهلكه فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليهم بسببه; ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد للإغناء به عن جمل طوال ، إشارة إلى أن الوقت أرق فهو لا يحتمل التطويل : إنا منجوك أي : مبالغون في إنجائك وأهلك أي : ومهلكو أهل [هذه] القرية ، فلا يقع ضميرك أنهم يصلون [ ص: 434 ] إلينا ، وقالوا : إلا امرأتك تنصيصا على كل فرد منهم سواها; ثم دلوا على هلاكها بقولهم جوابا لمن كأنه قال : ما لها؟ فقيل : كانت من الغابرين أي : كأن [هذا] الحكم في أصل خلقتها.