ولما كان كأنه قيل : ما هذا المقصوص من هذا النبأ؟ قال : إن فرعون ملك مصر الذي ادعى الإلهية علا أي : بادعائه الإلهية وتجبره على عباد الله وقهره لهم في الأرض [أي : لأنا جمعنا عليه الجنود فكانوا معه إلبا واحدا فأنفذنا بذلك كلمته] ، [ ص: 239 ] وهي [و] إن كان المراد بها أرض مصر ففي إطلاقها ما يدل على تعظيمها وأنها كجميع الأرض في اشتمالها على ما قل أن يشتمل عليه غيرها.
[ولما كان التقدير بما دل عليه العاطف : فكفر تلك النعمة ، عطف عليه قوله : ] وجعل [بما جعلنا له من نفوذ الكلمة] أهلها أي : الأرض المرادة شيعا أي : فرقا يتبع كل فرقة شيئا وتنصره ، والكل تحت قهره وطوع أمره ، قد صاروا معه كالشياع ، وهو دق الحطب ، فرق بينهم لئلا يتمالؤوا عليه ، فلا يصل إلى ما يريده منهم ، [فافترقت كلمتهم فلم يحم بعضهم لبعض فتخاذلوا فسفل أمرهم ، فالآية من الاحتباك ، ذكر العلو أولا دليلا على السفول ثانيا ، والافتراق ثانيا دليلا على الاجتماع أولا] ، جعلهم كذلك حال كونه يستضعف أي : يطلب ويوجد أن يضعف ، أو هو استئناف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل الذين كانت حياة جميع أهل مصر على يدي واحد منهم ، وهو يوسف عليه السلام .
وفعل معهم من الخير ما لم يفعله والد مع ولده ، ومع ذلك كافؤوه في أولاده وإخوته بأن استعبدوهم ، ثم ما كفاهم ذلك حتى ساموهم على يدي هذا العنيد سوء العذاب فيا بأبي الغرباء بينهم قديما وحديثا ، ثم بين سبحانه الاستضعاف بقوله : [ ص: 240 ] يذبح أي : تذبيحا كثيرا أبناءهم أي : عند الولادة ، وكل بذلك أناسا ينظرون كلما ولدت امرأة ذكرا ذبحوه خوفا على ملكه زعم من مولود منهم ويستحيي نساءهم أي : يريد حياة الإناث فلا يذبحهن.
ولما كان هذا أمرا متناهيا في الشناعة ، ليس مأمورا به من جهة شرع ما ، ولا له فائدة أصلا ، لأن ، قال تعالى مبينا لقبحه ، شارحا لما أفهمه ذلك من حاله : القدر - على تقدير صدق من أخبره - لا يرده الحذر إنه كان أي : كونا راسخا من المفسدين أي : الذين لهم عراقة في هذا الوصف ، فلا يدع أن يقع منه هذا الجزئي المندرج تحت ما هو قائم به من الأمر الكلي.